حميد زيد – كود//
كل تلك الجحافل.
كل تلك الحشود.
كل تلك الوجوه.
كل تلك الأسماء التي استيقظت باكرا.
كل من أعد لعملية النحر.
كل من حضّر لها.
كل من جاء بالسيارة. والأحصنة.
كل المصلين. كل رجال السلطة. كل رجال الدين. و الإمام. و القايد. و الباشا. والمواطن. والمقدم. والفضوليون. و رجال الأمن. و رجال القوات المساعدة. و رجال السياسة. والمنتخبون.
كلهم مطيعون للوالي.
وللسلطة.
ولا يعترضون على أي شيء.
ولا أحد يستطيع منهم أن يحذر الوالي.
ولا أحد يقدر أن يقول له هذا لا يجوز.
وحتى لو نحر الوالي خنزيرا أو بطة أو ضبعا فلم يكن أحد سيتكلم.
ولم يكن هناك من سينبه الوالي.
وهذا هو الأمر المفزع في هذه القصة المغربية.
حيث الطاعة هنا عمياء.
وحيث الخضوع كامل.
والسلطة كل السلطة للوالي.
والوالي في الحالة المغربية لا يخطىء.
و مادام أن الملك هو من يعينه.
فإن لا أحد يقدم له النصيحة.
ولا أحد ينبهه.
ولا أحد يقول له ماذا تفعل أيها الوالي.
وهل جننت.
لا أحد يقول له لقد “قفرتها” أيها الوالي.
لأن السلطة محقة في كل ما تفعله.
ولا يوجد من يعاقبها.
وحتى لو أخطأت نخبة المخزن فلم يعد بيننا من يقول لها لقد أخطأت.
ولا يعاقب المخزن سوى المخزن.
ولا يراقب المخزن سوى المخزن نفسه.
ولا تراقب الدولة سوى الدولة.
بينما نحن جميعا مبعدون.
وغائبون. ومنسحبون.
وقد شاهدنا الفيديو قبل أن يصدر قرار الإعفاء.
بينما لا أحد منا قال هذا لا يليق.
ولا أحد اعترض.
ولا أحد منا انتبه.
ولا المعارضة. ولا الأحزاب. ولا الرأي العام. ولا أحد.
والكل مستقيل.
ويتفرج.
إلى أن تدخلت السلطة لتعفي السلطة.
بعد أن رأت رجالاتها يقلدون الملك.
وبعد أن رأت نفس الطقوس.
ورأت نفس الثوب الأبيض. ونفس الدم. ونفس السكين. ونفس الحركة.
وكأن هذا المشهد من كتاب قديم.
وكأن مشهد نحر الخروف مأخوذ من مغرب القرون الماضية.
بينما المغربي هو هو لم يتغير و لا يتدخل في أي أمر.
وحتى هذه القدرة على التمييز بين الخطأ والصحيح
فإنها لم يعد يمتلكها.
ولم يعد ينتبه إلى المخالفات إلا بعد أن تعتبرها السلطة كذلك.
في مغرب هادىء ومستقر
ويتقدم
ويتطور
وحين تحدث فيه أزمة سياسية
وحين يعفى فيه وال أو اثنين
فبسبب خروف
وبسبب اللحم
وربما بسبب تقليد غير موفق للملك
و بسبب اللباس
والطربوش
والثوب الأبيض
والخدم الذين يشدونه بأيديهم
كي لا يهرق الدم على السلطان
وعلى أصغر رجل سلطة
وعلى الثري المغربي
وعلى مدير الجريدة
وعلى مدير الشركة
وعلى الوزير
وعلى كل هذا النوع من المغاربة الذين
يتصرفون مثل ملوك صغار
و ينحرون كل سنة
مثلما ينحر الملك.
أما حين أهاب الملك بالمغاربة عدم القيام بذبح الأضحية
“وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية”
فإن بعضهم
لم يطيق صبرا
وضحوا من أجل الساكنة المحلية
في مغرب يعاني فيه الوالي
من طاعة جميع المحيطين به
ومن خوف الجميع منه
و من غياب من ينبهه
ومن يهرب منه
ومن يعصاه
ومن يفر بجلده
ومن يفكر في العواقب
ومن يستخدم حسه السليم
ومن يتركه
وحيدا في المصلى
مع خروفه
ومع الخطيب والإمام.