حميد زيد – كود//
لن ينتظر الفلسطيني حتى تلتهم إسرائيل كل أرضه.
لن ينتظر الفلسطيني حتى يباد الفلسطينيون بالكامل.
لن ينتظر حتى تظهر حركة وطنية فلسطينية. تقدمية. ويسارية. وجديدة.
كي يعود من جديد للمقاومة.
وكي يبدأ من الصفر.
لن ينتظر ما لن يأتي.
لن ينتظر القيامة.
لن ينتظر موته.
لن ينتظر حدوث تغيير في ميزان القوى. لأن لا شيء سيتغير.
وسيبقى الغرب الديمقراطي غير ديمقراطي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وسيبقى الغرب الإنساني لا إنسانيا.
وسيبقى في صف دولة الاحتلال.
وسيبقى مستعدا للدفاع عنها في مواجهة شعب أعزل.
وستبقى أمريكا تمدها بالسلاح في مواجهة شعب يقاوم.
لذلك لن ينتظر الفلسطيني حتى يتم التخلص من قضيته.
ومن مشكلته.
لن ينتظر حتى تختفي فلسطين بالكامل.
لن ينتظر نصيحة من أحد.
لن ينتظر درسا من أحد.
لن ينتظر من يقول له ماذا تفعل. ومتى تقاوم. وكيف.
فقد كان هناك حل سياسي في الأفق. لكنه لم يعد الآن أي حل سياسي في الأفق.
وقد كانت هناك اتفاقيات أوسلو. لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بأي شيء من اتفاقيات أوسلو.
ولم يلتزم بالسلام.
ولم يلتزم بحل الدولتين.
ولم يلتزم بعدم بناء المستوطنات.
ومن يردد اليوم حل الدولتين فهو كمن يضحك على الفلسطينيين.
لأن إسرائيل مزقت أرض فلسطين. و بقّعتها. بالمستوطنات. وبالمعابر. وبالإسرائيليين.
فلم يعد هناك أي حل للدولتين في الأفق.
لم يعد هناك أي أمل لدى الفلسطيني.
لم يعد هناك أي وعد.
لم يعد هناك ما يجعله ينتظر.
لم يعد مضطرا لاحترام أي التزام.
لم يعد معولا سوى على نفسه. وعلى صموده.
لم يعد له سوى مقاومته.
لم يعد هناك إلا الظلم الإسرائيلي. والعنصرية الإسرائيلية. والاحتلال الإسرائيلي.
وكل يوم يمر.
وكل شهر.
وكل سنة. دون مقاومة. فيها تكريس للوضع القائم. وفيها قضم أكثر لأرضه. ولدولته.
فيها تواطؤ عليه.
فيها خطة لجعله ضمن حل أشمل. بلا دولة. وبلا فلسطين.
فيها تمطيط للوقت. إلى أن يصبح حل الدولتين أمرا غير واقعي. و مستحيل تحقيقه.
لذلك علينا أن نكف عن الحديث باسم هذا الشعب.
علينا أن لا نظل نتحدث عن “التوقيت غير المناسب”.
لأنه لم يعد هناك وقت بالمرة لدى الفلسطيني.
لم يعد له من يتفاوض مع سلطته.
ومن يهتم بها.
لم يعد من يتذكره.
لم يعد هناك من يضعه في برنامجه.
علينا أيضا أن نكف عن التظاهر بالخوف على الشعب الفلسطيني. جراء الانتقام الإسرائيلي.
علينا أن نكف عن تحليل الفلسطيني.
وتحليل الحسابات الإقليمية.
علينا أن نخجل من أنفسنا.
علينا أن لا نبالغ في تصديق ما نقوله.
علينا أن نتوقف عن كل هذه الوقاحات.
علينا أن لا نطلب من الفلسطيني أن يظل محالا. ومسجونا. ومهانا. منتظرا التوقيت المناسب.
هذا التوقيت الذي لن يأتي مهما انتظره الفلسطيني.
التوقيت المناسب الخدعة.
التوقيت المناسب الإيديولوجي.
التوقيت المناسب الذي لم يعد ينطلي على أحد.
فهذا الخطاب لم يعد صالحا اليوم.
ولم يعد له ما يبرره.
فلم يعد من حل لدى الفلسطيني سوى المقاومة.
لم يعد له سوى توقيته الخاص.
كي تعود فلسطين إلى الواجهة.
وكي تعود إلى النقاش.
وإلى البحث عن حل سلمي لها.
وكي تعود إلى السياسة الدولية. وإلى طاولة المفاوضات.
وكي تعود الدول العظمى إلى الضغط على إسرائيل.
وكي لا تطمئن هذه الأخيرة.
وعلينا أن ننحني تحية احترام لهذا الشعب. المعزول. والمسجون. والمتخلى عنه.
هذا الشعب الذي خذلته القوى العظمى.
وسلمته لإسرائيل.
علينا أن نحترم ما قامت به المقاومة الفلسطينية.
علينا أن نفخر بذلك.
علينا أن نسعد.
لأن إسرائيل. وبكل القوى العظمى التي معها. وبكل السلاح الذي معها. وبكل التقدم الذي حققته.
وبكل العنصرية التي تمارسها.
وبكل الدمار. وبكل القتل. وبكل القصف.
فإنها لم تنجح بعد في دفع هذا الشعب إلى الاستسلام.
وقد كان في السابق ممكنا أن يكون الديمقراطي. المدافع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال. وباعتبارها قضية وطنية عادلة. وليست قضية دينية.
كان من الممكن لهذا الديمقراطي أن يكون رافضا لحركة حماس. وللجهاد الإسلامي.
لأنه كانت هناك سلطة فلسطينية.
وكانت هناك اتفاقات.
و كان هناك مجتمع دولي. والتزامات. وكانت هناك جبهة شعبية. وحركة فتح.
وكان هناك عرب. ودول جوار.
وكان هناك عالم يضغط على إسرائيل.
والحال أنه لم يعد هناك أي شيء الآن. وليس من الممكن اختراع مقاومة على مقاساتنا.
كي تتناسب مع أفكارنا. وقناعاتنا.
وليس لنا الآن إلا حماس.
وقد حققت ما لم يحققه أحد.
وقد حققت انتصارا مبهرا. لم نر مثله منذ أن فتحنا أعيننا على هذا العالم.
ومن الوقاحة أن نرفض مقاومتها.
ومن الوقاحة أن نحتج على الضعيف. المحاصر. ونقول له كف عن المقاومة.
واستسلم لإسرائيل.
وكن واقعيا.
من الوقاحة أن نحتج عليه لأنه قد يكون حصل على صاروخ من إيران.
أو من غيرها.
كأن العالَم ترك للفلسطيني حرية أن يختار.
كأنه ترك له فرصة أن لا يتعامل مع الدول”المارقة”.
كأن أحدا في العالم يبدي استعدادا لدعم الفلسطيني في مقاومته لدولة الاحتلال.
كأن هناك خيارات أخرى كثيرة أمام الفلسطيني.
وقد كان للفلسطيني يسار العالم.
وقد كان له إنسانيو العالم.
كان له اليمين الجمهوري.
كان له رجال الكنيسة الإنسانيون.
كان له يهود إنسانيون داخل إسرائيل.
كانت له ديمقراطيات غربية كثيرة.
بينما لم يعد له الآن أي شيء. ولم تعد له أي دولة. ولا أي جهة.
وصار الفلسطيني وحده.
صار بلا حل. ولا أفق. ولا سلام يحلم به.
وصارت دولته تتبخر. وتتبقع. وتتآكل.
ولم تعد له سوى حركة المقاومة. التي لا يمكن إلغاؤها. ولا يمكن في الوقت الحالي اختراع بديل لها.
لا يمكن تحريم المقاومة. وتجريمها. فقط لإنها إخوانية.
لا يمكن مطالبتها بالتحلي بالحكمة.
وبعدم المغامرة.
لا يمكن مطالبتها بأي شيء.
وكأن من يردد هذا الكلام يطلب من الفلسطيني أن يكون بوذيا. كي يقبله.
وليس من الأخلاق في شيء نعت المقاومة بالداعشية.
وإذا كانت حماس حركة داعشية. وهي حركة مقاومة. فماذا عن دولة إسرائيل. دولة اليهود. هذه الدولة الدينية المتطرفة. والعنصرية. دولة نتنياهو.
دولة وزير الحرب الذي وصف المقاومة بالحيوانات البشرية.
ماذا عن هذا الوصف لشعب يقاوم الاحتلال.
ماذا عن جرائم إسرائيل.
ماذا عن كل هذه العقود من قصف المدنيين. وقتل النساء. والأطفال.
ماذا عن إنسانية دولة. وجيش نظامي.
ماذا عن ما يقع هذه الأثناء.
ومن الحيوان في هذه الحالة.
من الوحش.
من يقتل شعبا أعزل. من يجوعه.
من أمر يوم أمس بقطع إمداد الماء على الفلسطينيين في غزة.
من يريد أن يميتهم بالعطش.
من هو الحيوان في هذه الحالة.
من.
من.
من يحاصر شعبا.
من صنع قطاعا على شكل سجن.
من يشبه من البشر دولة إسرائيل.
وعلي أي حال فإن لدولة إسرائيل المقاومة التي تستحقها.
بعد أن رفصت في وقت سابق من يسلم عليها.
ومن يحضنها.
ومن يعترف بها.
ومن مستعد لأن يضحي كي يتعايش معها.
وبعد أن قضت عليه.
وأفسدته.
وحاصرته. وشوهته.
بينما من حق الطرف الضعيف أن يكون فدائيا.
من حق اليائس أن يختطف الأسرى.
من حقه أن يرد على المحتل.
من حقه أن يضغط عليه. و أن ينغص عليه عيشه.
من حقه أن يجد الحلول.
و أن لا يستسلم.
وأن لا يموت.
من حقه أن يذكر بين الفينة والأخرة. الشباب الإسرائيلي. أنهم وهم يرقصون. في أرض ليست لهم. فهناك خلفهم. وعلى بعد كيلومترات قليلة. يوجد صغار. ويوجد رضع. ويوجد شباب. وتوجد بنات فلسطينيات. ويوجد شيوخ. في سجن كبير اسمه غزة. والسجان هو دولتهم.
خلفهم يوجد موت بطيء.
يوجد فقر.
يوجد شعب هو ضحية لهم. ولآبائهم.
لكننا نستكثر على الفلسطيني ذلك.
نستكثر عليه أن يدافع عن وطنه.
نستكثر عليه أن يقاوم.
ونتضامن مقابل ذلك مع المغتصب.
ومع القاتل.
وندين المقتول.
وندين الفلسطيني لأنه لم يستسلم.
ولم يرضخ.
و نصفه زيادة بالهمجي
فيا للوقاحة التي بلغناها.
يا لتراجع حسنا الإنساني.
حتى أن الإسرائيليين قد يتفاجؤون من بعض ما صار يكتب في المغرب.
حتى أن بعضهم لن يتفق معنا.
ونحن نقف في صف نتنياهو
وفي صف العنصرية.
وفي صف اليمين المتطرف الإسرائيلي.
وفي صف الظالم.
وفي صف القوي ضد الضعيف.
وفي صف الاحتلال الديمقراطي الإنساني
ضد الشعب الفلسطيني الهمجي الداعشي المتوحش.