
حميد زيد – كود//
غبتُ منذ مدة طويلة عن التغطيات الصحفية. وعن اللقاءات. والندوات.
ولما عدتُ وجدت الصحافي وقد تغير.
وأهم ما أثارني فيه كونه صار سريعا.
يسبق الخبر. والتصريح.
ويرسل المادة على مراحل. ويجزئها. ويقطعها. وأثناء اللقاء. وأحيانا قبله.
ويستبق الندوة.
كما وجدت زميلات صغيرات مجهزات بالكاميرات والميكروفونات. يركضن في كل اتجاه.
خفيفات.
يمرقن بين الصفوف.
ويقطعن القاعة جيئة وذهابا.
ولا يتوقفن عن الحركة.
ولا يمنحنك فرصة السلام والتعرف عليهن.
منشغلات بأشياء مهمة لا تبدو لصحافي مثلي قادم من الماضي.
وقد تأملتهن.
وتأملت هذه السرعة التي أصبحت تمارس بها المهنة.
لأتأكد أنه لم يعد أبدا بمستطاعي اللحاق بزملائي الشباب.
إنهم يركضون في كل اتجاه. وينطون. ويقفزون.
مجهزين بالكامل.
ومعهم كل المعدات التي يحتاجها الصحافي.
بينما قبل كان الصحافي بطيئا.
كان غير مجهز.
كان يضع قبضة يده تحت ذقنه كي يبدو عميقا.
وكان كل ما يملك هو آلة تسجيل. تمنحها له المؤسسة التي يشتغل بها.
ومعها كاسيت. وبطاريات كثيرة.
وكانت له أوراق. وأقلام. يستعملها كاحتياط. في حالة ما إذا خذلته آلة التسجيل.
ولم تسجل شيئا.
وهذا الأمر كان يحدث كثيرا.
وكم من حوار لم يسجل. وكم من تصريح سرطته الآلة.
وبعد حضوري للقاءات صحفية قليلة صار لي ما يكفي من التجربة للتمييز بين الصحافي القديم والجديد.
فالأول بطيء. ويمشي بتثاقل.
والثاني سريع. وكثير الحركة. ومدجج. وينقسم إلى نوعين.
النوع الأول فيه أسلاك. تخرج من كمه. ومن أذنيه. ويحمل زانة.
والنوع الثاني لا سلكي.
كما أني خرجت بخلاصة أن لا شيء يجمع بين الجيلين.
وأن المهنة لم تعد هي نفس المهنة.
ففي الماضي كان لنا نماذجنا من الصحافيين الذين سبقونا.
وكانت لنا أقلام نفضلها على أخرى. وحساسيات. ولغة. وأسلوب.
أما اليوم فهناك قطيعة.
وليس للصحافي الحالي نموذج.
وله الآلة.
له هاتفه الذكي.
وهناك صحافة حالية سريعة. وخفيفة. مقابل صحافة قديمة ما كان يميزها هو البطء.
هناك صحافي قديم كان يجلس في اللقاء. والندوة.
وكان المنظمون يوفرون له مقعدا.
أما الآن فالصحافي واقف دائما.
وعلى عجلة من أمره.
وفي حركة دائمة.
ومتأهب.
ومستعد لللجري. وللدخول في السباق. و للتموقع.
وبارع في تسديد الميكرو.
وفي تصويب الكاميرا نحو الهدف.
ومن شدة سرعته
تظن أنه سيطير.