حميد زيد – كود//
كلما اتصلتُ بزميل صحافي يقول لي إنه في مراكش.
وفي معرض جيتكس بالضبط.
ويتظاهر أنه مشغول. ومنتبه. ومركز. ويغطي التكنولوجيا الرقمية.
والاختراعات الجديدة.
وأن وقته لا يسمح له بالحديث مع شخص لا يوجد في قلب الحدث.
ولا في قلب العالم الرقمي. واقتصاده.
ولا اطلاع له على هذا المجال.
فمنذ النسخة الأولى من هذا المعرض. صرت ألاحظ تغيرا في السلوك المهني للصحافيين الذي أتيحت لهم فرصة تغطيته.
ويتحدثون عن جيتكس هذا كما لو أنه صديق لهم.
وكما لو أنهم على سابق معرفة به.
وكما لو أن كلمة جيتكس هذه مألوفة لديهم.
وعندما أسأل الواحد منهم: أين أنت. يقول لي أنا في جيتكس.
وأين أنت ذاهب.
يرد بأنه في الطريق إلى جيتكس.
أو عائد منه.
في نوع جديد من التباهي والغرور المهنيين.
إلى أن أصبح الصحافي الحاضر في جيتكس يشعر بأنه أفضل من غيره.
و أنه أذكى من الذين لم يغادروا مكاتبهم في الدار البيضاء أو الرباط.
ولأن الأمر تكرر.
فقد لمت نفسي كثيرا.
لأني ظللت حبيس ما تعلمته في الماضي.
ولم أطور أدائي.
ولم أن أنتبه إلى جيتكس هذا.
إلى أن أصبح هو الشغل الشاغل. والحدث. الذي يتابعه الجميع.
ويذهب إليه صحافيو الصفحة السياسة.
وصحافيو العدالة والمحاكم والجرائم.
وصحافيو الفضائح.
وصحافيو الفن.
وصحافيو الرأي.
والذين ينتظرونه كل سنة.
إلا أنا.
وقلة من الزملاء.
من العهد القديم. مازلنا نتابع السياسة. والمسيرات. والجهات.
بينما الكل الآن يشتغل في المستقبل.
وفي هذا العالم الآخذ في التشكل. والخالي من الصحافة الكلاسيكية.
و التي كان أقصى ما يمكن أن يذهب فيها الواحد منا إليه هو مؤتمر حزب العدالة والتنمية. أو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وكان كل شيء تقريبا يقع في بوزنيقة والصخيرات.
في هذه المنطقة القريبة من الرباط والدار البيضاء.
والخالية من أي تعقيدات.
ومن أي أسلاك.أو ألياف.
وبصعوبة.
استطعت أن أعرف ما هو جيتكس هذا.
كي لا أظل خارج السياق.
وخارج الواقع.
وقد كان الزملاء في الماضي يذهبون إلى معرض الفلاحة في مكناس ولم أكن أستغرب.
ولم أكن أدق ناقوس الخطر.
حيث يمكن للصحافي أن يغطي الأبقار.
ويشرب الحليب.
ويأكل الزبدة.
ويتحدث إلى الفلاحين.
ويحكي عن الكبش الفحل الذي يباع بالثمن الخيالي.
ويمكنه أن يتذوق أنواع التمور. ويكتب عن ذلك.
وينجز روبورتاجا عن عسل الدغموس.
ويفوز في النهاية بجائزة الصحافة الفلاحية.
لكني لم أكن أتوقع يوما أن تتطور الأمور بهذه السرعة.
وأن يقع الفرز.
وننقسم إلى صحافيين داخل جيتكس.
وصحافيين آوت.
وإلى صحافيين محظوظين ومحميين ومخزنين داخل نظام حوسبة سحابية.
ومرتبطين بشبكة عنكبوتية.
ومتوفرين على مساحة كافية للتحرك وللبقاء.
وصحافيين آخرين عالقين في عالم ما قبل رقمي.
خارج السحب.
وخارج أي نظام حماية.
وعرضة للبرد
وللتلف
في عراء الواقع الصحافي المغربي.
وخارج هذه التي يسمونها خوادم.
وخارج أي قاعدة بيانات.
وخارج أي برنامج.
وخارج أي قرص صلب.
ويعولون فقط على ذكائهم الطبيعي.
بينما يستأنس الزملاء في جيتكس بالذكاء الاصطناعي
ويلتقون بالروبوتات.
ويحصلون على أرقام الخوارزميات
ويربطون معها علاقات
ويغنون أجندتهم. وينمون معلوماتهم. وتجاربهم.
مستعدين لأي طارىء.
ولأي زوال محتمل للمهنة.
وبعد أي ضربة
وبعد أن يموت الصحافي التقليدي
وبعد أي هجوم سيبراني
من المتوقع أن تنزل نسخهم الاحتياطية
من السحب التي تم تخزينهم فيها
ليمارسوا عملهم في مغرب جديد
خال منا
نحن الذين لم نسافر إلى مراكش.
ولم نستوعب
بعد
ماذا يدور في رأس زملائنا وهم يغطون معرض جيتكس.
ولم نعرف بعد من يوجههم.
ومن يتحكم فيهم
ومن يقوم بإرسالهم
ومن يعدهم
بخلق نسخ منهم
بعد زوال الأصل
وزوال كل الذين علموا متأخرين بما يتم التحضير له في مراكش
ولم يسعفهم الوقت لتخزين أنفسهم
ولا لتحفيظ معطياتها
ولا لحمايتها
قبل أن تظهر الثغرة الكبرى
وينفجر “البوغ” الصحفي العظيم
في كل أرجاء المهنة.