خرجت جرادة من قاموس التداول اليومي، ودخلت إلى مجال التداول بين الأرجل والتداوي بالأوهام. تقول الحكاية إن مدينة جرادة، في شرق المغرب، كانت مدينة عمالية ومدينة مناجم الفحم الحجري. وأنها ذات وضع وضعت حلها وأوزارها، كما في كل حرب عمالية طويلة الأمد. وبعد ذلك أصبحت مدينة شبح يقتات أهلها من اللاشيء ومن الشيء نفسه.
اليوم لم تعد المناجم هي المناجم، لكن المردودية منها مازالت تضمن عيش الكثيرين، لكن القلة القليلة هي التي أثرت واغتنت وأفسدت الدولة.
هل منكم من يتصور أن هناك عائلات تنتشر حتى يتنتهي السوق الأسبوعي وتتسابق هي والماعز على بقايا طماطم وخس وبازيلاء!…
لا تصدقوا هذا، اذهبوا وانظروا بأعينكم؟
هل يصدق أحد منكم أن عائلات بكاملها تخرج ، حين تغضب إلى الشارع، بأطفالها وتسير كيلومترات طويلة وهي تنظر إلى الرباط عل وعسى؟
لا تصدقوني ولا تصدقوا تقارير الأجهزة والعمالة، اذهبوا وانظروا بأم أعينكم، أو بأبيها حتى ..!
بعد خراب المنجم في الشروط التي لا يعرفها الجميع، أصبحت جرادة حفرا حفرا، ينزل إلى بطنها شباب وكهول المدينة لعلهم ينتزعون منها كسرة خبز أو قنينة دواء.
ومنهم من يموت،
ومنهم من يموت بعده بقليل
ومنهم من يموت من تبعات السيليكوز.
ومنهم أيضا من يعيش بالسيليكوز.
ولأن لا أحد يفهم ما يجري في هذا البلد السعيد، فإن ثلاثة أفراد، منهم رئيس البلدية ( إياه آسيدي) يتولون احتكار بيع وشراء ما يقتلعه هؤلاء الأقنان أو العبيد الجدد.
لأن الدولة حفظها الله من السيليكوز، قررت أن تعطيهم التراخيص باستغلال ما تبقى من المناجم، وبيعها إلى المكتب الوطني للكهرباء، برعاية من وزارة الطاقة، التي تخبر المستغلين بكل …توتوة تقع في المركز (اشوفي اللا يامنة اش داير بيك الله والعاملين معاك)!! وأن الدولة رعاها الله ضدنا.. لا تراقب الحاصلين على تلك الرخص ما إذا كانوا يشغلون الناس أو يؤدون حقوقهم في الضمان الاجتماعي، وما إذا كانوا يوفون حقوق الدولة والعباد.
لا يهمها ذلك، لأنها تعتقد بأن جرادة وأهلها مجرد سلالة من العبيد كتب عليهم أن يموتوا ويعيشوا تحت الأرض.
فهل تعرفون بلدا في الكون، باستثناء تونس ومصر واليمن طبعا، يمكن فيها للدولة أن تقدم تراخيص، كمسمار جحا، لأناس لا يستغلونها إلا لكي يمنعوا الفقراء الحقيقيين من استغلالها.
فقد حدث أن جيش الفقراء والمعدمين صدق أهل الحلول القانونية، وتقدم بتكوين شركة، أعضاؤها من السناكرية، أي العمال الحفارين قبورهم بأيديهم لكي يعيش أبناؤهم.
ومنذ سنة ومازالوا ينتظرون الترخيص لهم بالعمل!!
انظروا في هذه الحالة: فقراء يحفرون الصخر بأظافرهم كونوا جمعية لكي يكونوا في مستوى …المبادرة الوطنية للتنمية، ويكونوا عند حسن أهل الحل والعقد، ولكنهم منعوا ومازالوا لم يحلوا مشكلة فقرهم بطريقة قانونية وحضارية.
بكل صراحة ماذا يريد رجال السلطة في جرادة وفي الولاية؟
هل يريدونهم أن يعودوا إلى التظاهر كما حدث منذ سنة، عندما اشتعلت المدينة؟!
هل يريدونهم أن يفعلوا ذلك لكي يعتقلونهم ويرمونهم في السجن وتمر عليهم سنة كاملة، مثل الذين اعتقلوا في الأحداث المذكورة بدون إحالتهم على القضاء؟
هل جرادة فعلا في المغرب أم أنها في تونس؟
هل يريد السيد العامل والسيد رئيس البلدية والجشع الكبير في المنطقة أن يحرق الناس أنفسهم بعد أن أحرقوا أرواحهم ودمهم؟
ومع ذلك هناك من رجال الفساد من يطرح عليك السؤال: هل هناك ما نتشابه فيه مع تونس؟
من يريد جوابا، ليركب سيارته أو طائرته ويتوجه إلى جرادة ويلتقي هؤلاء المعدمين، بقايا حرب عمالية انقضت وهم يأكلون التراب؟
لا أعرف وزيرا أو مسؤولا لم يطرح عليه المشكل، ومع ذلك لا جواب.
لا أعرف طريقة أو أسلوبا لم يستعمله هؤلاء الناس، ومع ذلك لا جواب..
ولا أعرف لهم نهاية إلا ما سيقترحه عليهم اليأس، ووقتها لا ندري ما ستقدره الأيام!
هل يعقل أنه لحد الساعة، وقد مضت سنة على تأسيس شركة الفقراء، ووجدوا من دفع المال لكي يخربها من الداخل، ولم تحرك السيدة الدولة حفظها الله ساكنا، أو سكانا؟
هل يعقل أن نستمر في وضع كهذا ؟ ونسأل ماذا في المغرب يشبه تونس؟
لا يمكن أن نخفي الشمس بجرادة!
إما أن يشعر هؤلاء أنهم جزء من مغرب محمد السادس أو يعتبرون فعلا أنهم في خارطة بلد آخر؟
لم يعد معقولا أبدا أن الفساد والرشوة وشراء الذمم يمكنها أن تترك عائلات كلها نهبا للضياع واليأس والشعور بالذل.
لا يمكن أبدا أن يقبل المنطق اليوم، أن يشتغل موظفون في وزارة كوزارة الطاقة والمعادن مجرد جواسيس لأحد مستغلي الفحم أو لثلاثة منهم ضدا على مدينة بكاملها وشعب مازال يحب أن يموت في بلده.
لا يعقل أن تكون الحلول في يد عامل أو والٍ ويتركها للتآكل لأن له فيها أشياء أخرى..
لقد حكى لي أستاذ مناضل كيف أن الشبيبة هناك بدأت تستعين بالنكتة، وقال إن أستاذا سأل تلميذه”
سؤال: أين توجد جرادة؟
فجاءه جواب صادم : قرب سيدي بوزيد بتونس!!
وهي صناعة محلية محضة، كما هو الفساد والتسويف والرشوة أيضا في ردهات السلطات المعنية!
لقد تشكلت شبكات محلية للفساد المحلي تجمع بين قضاة ورجال سلطة ومنتخبين وأصحاب سلط إدارية وحتى وسطاء سياسيين. وهم يشتغلون ساخرين من الدولة ومن أهلها ومن إرادة الإصلاح لدى رئىسها . وهم يسخرون منا جميعا، لأنهم حصلوا على السلطة والمال والغطاءات السياسية المناسبة في اللحظات المناسبة، لكن الحقيقة اليوم لم تعد تتطلب أكثر من صرخة في شارع.
فليتحملوا مسؤولياتهم ..كلهم!
غدا وجدة ستوجد في ..مصر بسادتها القضاة الميامين!