كود ـ كازا//
توفي الكاتب والروائي التونسي حسونة المصباحي في مسقط رأسه وموطن نشأته في ريف القيروان، بعد مسيرة أدبية حافلة انتصر خلالها لقضايا المهمشين في أرياف الوسط التونسي المنسي.
وولد الراحل بقرية “الذهيبيات” بمنطقة “العلا” بولاية القيروان سنة 1950، حيث تميز بحساسية خاصة في التعبير منذ طفولته تجلى في انفعاله بالطبيعة، وحين عُين مدرسا للغة الفرنسية في منتصف السبعينيات سرعان ما تم فصله من العمل لاحقا لأسباب قيل إنها كانت سياسية.
تميز المصباحي بأسلوب أدبي فريد، وحمل الرواية التونسية إلى أهم الملتقيات الأدبية العربية والعالمية خلال رحلته الصحفية إلى ألمانيا، حيث عمل في كبريات الصحف والمجلات الألمانية والعربية في المهجر.
وأعلن الأديب حسونة مصباحي انتهائه من كتابة آخر روايه له قبل أيام من وفاته، وهي رواية اختار لها اسم “يوم موت سالمة” توقع فيها الكاتب التونسي موته فكانت في شكل وصية لكل أحبابه وقرائه وهم كثر.
بدأ مسيرته كأستاذ للغة الفرنسية، لكن فصله لأسباب سياسية في منتصف سبعينيات القرن الماضي شكل نقطة تحول جديدة في حياته، إذ تتابعت أعماله في القصة والرواية والترجمة، وبرزت من بين أهم مؤلفاته الروائية: “الوسائد ترشيش” و”الآخرون” و”وداعا روزالي”.
في تسعينيات القرن الماضي، حصد حسونة المصباحي عدة جوائز محلية ودولية، ويعتبر من أكثر الكتاب التونسيين إنتاجا وإثارة للجدل الثقافي بأسلوب أدبي مختلف عن الأشكال التقليدية للكتابة.
وسارع عدد من المثقفين والكتاب العرب إلى التعبير عن حزنهم لرحيل المصباحي، مستحضرين مساره الأدبي وإسهاماته في أكثر من حقل أدبي، مستحضرين أهم المحطات في حياته وسيرته.
وكان الراحل صديقا عزيزا للمغرب الثقافي والإبداعي، ووجهًا مألوفًا في عديد من تظاهراته الكبرى، خاصة في موسم أصيلة الثقافي الدولي، الذي ظل الفقيد وفيًّا لدوراته، بمثل وفائه لمدينتي أصيلة وطنجة ولفضاءاتهما المحفزة على الكتابة والحياة والليل والسخرية والدعابة والضحك، وعلى مدى سنوات، معتزا بحضوره وصداقاته الواسعة، وبادلته أصيلة المحبة بالوفاء، وتوجه موسمها الثقافي الدولي روائيا كبيرا.
فقد احتفظ المصباحي بعلاقة عشق للمغرب وحب واحترام لعدد كبير من مثقفيه. حب ضمن بعضه في كتابه “الرحلة المغربية”، كما عبر عنه في شهادة حب موجهة للمغرب والمغاربة، في سياق تفاعله مع زلزال الحوز، قبل نحو سنتين. وكان مما كتب وقتها حسب ما جاء في موقع إيلاف: “المغرب الذي أحب… المغرب الذي كان ولا يزال لي جناحا ثانيا يؤكد هويتي المغاربية، ويمنحها أبعادا تفتح أمامي عوالم بهيجة لا يعرف سرها غيري أنا الذي جبت تلك البلاد طولا وعرضا، وأحببت أهلها في المدن وفي الأرياف، وفي الصحاري وعلى ضفاف المتوسط أو الأطلسي، وصادقت شعراءها وأدباءها ومفكريها وفنانيها، وعشقت لهجاتها المتعددة والمختلفة وأطربتني أغانيها و”عيطاتها” وسحرتني أسواقها المعطرة بروائح أراضيها الطيبة المعطاء، وتعلمت أن أقول “واخا حبيبتي ” في حانات طنجة، وأن أروض جنوني في “ساحة جامع الفنا”، وأن أفك ألغاز تاريخ الملوك في مراكش وفاس والرباط، وأن أمشي على بساط من الريح في آخر الليل في نهاية سهرات أصيلة، وأن أتغزل بجمال الصحراء في العْيُون وفي الدَّاخْلة، وأن أغني “فين غادي بيا خويا فين غادي بيا” في قطار سريع يحملني إلى الدار البيضاء. أيها المغرب البديع… خانتك الطبيعة أكثر من مرة… إلاّ أن عشاقك وأحباءك لم يخونوك أبدًا”.
كان صديقا كبيرا للمثقفين والإعلاميين والمبدعين، وبلغ من حبه الكبير للمغرب، رحمه الله، أن سجل مذكراته وتنقلاته في ربوعه، في كتاب صدر عن “بيت الحكمة” في تطوان بعنوان “الرحلة المغربية”، وفيها يستحضر مشاهداته وذكرياته بأسلوب يغلب عليه التشويق في السرد”.