حميد زيد ـ كود//
كل شيء في المغرب يخرج من كازا.
كل شيء.
كل شيء.
ومن كازا تخرج الكلمات الجديدة في معجم اللغة المغربية.
وتخرج آخر “الستونات”.
وتخرج آخر التقليعات.
وتخرج الموضة.
وتخرج الحياة.
الآن وهنا.
وتخرج المشاكل.
وتخرج السلع.
وتخرج النسخ المزورة.
وتخرج الموسيقى.
ويخرج الغناء الذي لا يمكن أن يخرج من أي مكان آخر.
كل شيء.
كل شيء في المغرب يظهر في كازا أولا قبل أن ينتشر في باقي التراب الوطني.
وكما في كل دول العالم هناك مركز.
ومركز المغرب الثقافي.
والرياضي.
والاقتصادي.
هو الدارالبيضاء.
لكن يبدو أن هناك من يحاول أن يجعل من كازا هامشا.
هناك من يريد أن يفرض واقعا جديدا.
وقد استولوا على معرض الدار البيضاء للكتاب.
ونقلوه إلى مكان آخر.
وأفرغوا ملاعب كازا من جمهورها لسنوات.
كأن حظر تجول في كازا.
وكأن حربا.
وكأن هناك قانون طوارئ مفروضا على هذه المدينة.
وعلى جمهورها.
وعلى التشجيع.
وأي كازا هذه بلا جمهور.
وبلا شغف.
وبلا وداد.
ولا رجاء.
حتى أنهم فكروا في اختراع جمهور جديد لكازا.
جمهور من الأسر.
ومن البنات.
ومن الأولاد الصغار.
جمهورا يشبه جمهور المنتخب الوطني.
جمهورا لا علاقة تربطه بالكرة.
جمهورا ميتا.
جمهورا بلا روح.
جمهورا هدفه هو التقاط الصور.
جمهورا لا يشتم الجامعة.
ولا يشتم السلطة.
جمهورا يصلح للظهور في إنستغرام.
ولا يغضب.
ولا ينفعل.
ولا يبالغ.
كما كان دائما.
يغضب.
وينفعل.
ويبالغ.
بينما جمهور كازا.
ومن شدة هوسه بالكرة.
لا يجد الوقت ليصور نفسه.
فيلتقط صوره الآخرون.
وهو نفسه فرجة.
وحياة.
هو نفس حدث.
ولهذا الجمهور جمهوره الواسع في كل المغرب.
هذا الجمهور له متابعوه.
وله ثقافته.
وله تأثيره على الجميع.
بينما هناك من يريد أن يفرغ كازا من جمهورها.
يريد استبداله بجمهور آخر.
وفي كل مكان في المغرب هناك حضور طاغ لكازا.
وفي الأمازيغي.
وفي الدكالي.
وفي كل هوية مغربية.
ولا تخلو مدينة في المغرب من الدار البيضاء.
وفي أكادير.
وفي الجديدة.
وفي خريبكة.
وفي العيون…
هناك كازا في كل المدن.
حتى أن مباراة جرت مؤخرا في مدينة من المدن ضد فريق بيضاوي.
ومنع الجمهور الكازاوي من السفر ودخول الملعب.
لنتفاجأ بجمهور تلك المدينة الصغيرة يشجع الفريق البيضاوي ضد فريق مدينته.
وهذا كله من سحر كازا.
ومن شعبيتها.
ومن تأثيرها الكبير في المغرب الحديث.
وهي الآن بلا ملاعب.
والملعب الذي ظلت تلعب فيه أندية الرجاء والوداد في الفترة الأخيرة تمر من أمامه العربات المجرورة بالحمير بالبغال.
وهذا يحدث في قلب المدينة.
فنتفرج في الدواب منقولة مباشرة.
كأن كازا بادية.
وكأنها في سبعينياتها وثمانينياتها.
وكأنها مستثناة من هذه الثورة التي يعيشها المغرب.
وكأن هناك نية في ترحيل كازا إلى مكان أكثر هدوءا من كازا.
وكأن هذا المركز لا يستحق ملاعب باسمه.
وفيه.
مع أن كل شيء يحدث في كازا.
ومعظم الإنجازات الكروية الكبرى كانت بفضل أندية بيضاوية.
ومع الوقت.
ومع التراجع الحاصل في كل المجالات.
ومع تغييب كازا.
ومع نقل أحداثها ومناسباتها التاريخية إلى الرباط.
ومع استبعادها من التنظيم.
ومن المنافسات.
ومع غياب ملاعب لكازا.
ومع إفراغها.
بدأ الكازاوي يشعر بأنه مستهدف.
ولا نخبة سياسة تظهر في كازا.
وكلما كان شخص غير متعلم.
وكلما كان شخص متهم بالفساد
جيء به لتسيير أندية كازا.
وتم دفعه من الأحزاب
ومن المركز السياسي الجديد
ليتحكم في كازا.
حيث يوجد رئيسان سابقان لأندية بيضاوية في السجن.
وثالث هارب.
كل شيء.
كل شيء في كازا.
وفيها اجتمع الفساد المغربي.
وتشعر أن هذه المدينة متروكة لتواجه الوحوش التي تتربص بها.
تشعر أنها متخلى عنها.
تشعر أن هناك من يريد أن يصنع مركزا آخر.
وبدائل لكازا.
تشعر أن هناك من يلعب بالنار.
لكن من أين لهم روح هذه المدينة
من أين لهم حياة كازا
من أين لهم شعبها.
من أين لهم جمهورها.
من أين لهم “تشى ريّح”
من أين لهم تاريخ أحيائها.
من أين لهم هذا الصراع الذي يحدث فيها.
وهذا التنافس
كأنها ألف مدينة في مدينة واحدة.
من أين لهم هذه الملايين التي تسكن فيها.
من أين لهم كل هذا المغرب الذي يعيش في الدار البيضاء.
وبتهور
وبنزوات
وبمراهقة سياسية
وبغياب نضج
نضحي بكل هذا
ونفرط فيه
من أجل ماذا.
لا أحد.
لا أحد.
يعرف من أجل ماذا
نبحث عن بدائل
لهذه الحياة الناجحة والشيقة والمثيرة
في كازا.