خالد الحري – مدير نشر الصباح ///
ستمر سنوات وعقود، كي يدرك منعشون عقاريون ومسؤولون في الحكومة ومديرون في مؤسسات، أن توفير سكن لائق لكل مواطن، ليس مسألة تجارية، بل حقيقة اجتماعية.
وإلى ذلك الحين، سيظل مستثمرون في قطاع البناء والعقار ينظرون إلى المبادرات الملكية في قطاع السكن الاجتماعي، فرصة سانحة لمراكمة مزيد من الأرباح والأصفار الجديدة على يمين أرقام المعاملات.
أما الواقع، فيؤكد، في كل الأوقات وعلى مدار الحقب والمراحل، أن تذليل الصعوبات أمام المواطنين للحصول على “قبر الحياة”، هو خيار إستراتيجي للإدماج الاجتماعي، وصون الكرامة وتوفير أرضية للاستقرار الأسري والمهني، ومساهمة المواطن في التنمية، وأساسا تعزيز قيم المواطنة.
وبهذا البعد الإستراتيجي، المستلهم من رؤية ملكية تستشرف المستقبل وتجعل المواطن في صلب مخططات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ينبغي أن يفهم جميع الفاعلين في قطاع البناء والعقار والإدارة، غايات البرنامج الجديد للمساعدة في مجال السكن، المعلن عنه في بلاغ صادر عن الديوان الملكي، والمؤطر بعدد من الضمانات القانونية والمالية لإنجاحه، بما في ذلك تقديم دعم للأسر، التي ترغب في امتلاك سكن أول.
فلا يمكن القبول، بأي شكل من الأشكال، الزج بهذا البرنامج الجديد (كما تم في برامج اجتماعية سابقة للسكن مدعمة من الدولة)، في حسابات الربح والخسارة، أو في الدوائر الضيقة للوبيات العقار والبناء والمتواطئة مع مراكز في الإدارة لخدمة مصالح فئوية، تخطط لمراكمة أكبر عدد من الثروات، على حساب المبادرة الملكية.
ومن استمع جيدا إلى الندوة الصحافية لوزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وقرأ ما بين سطورها، سيستشف أن هناك لوبيا من المنعشين يتحرك، هذه الأيام، حفاظا على مكاسبه ومصالحه الحالية، أو يضغط من أجل الحصول على امتيازات جديدة في المرحلة المقبلة.
وهنا لا يكفي أن تُذكر المسؤولة الحكومية بالتطبيق الصارم للقانون واحترام دفاتر التحملات وحرية السوق والمنافسة، من أجل تخويف هذا اللوبي والحد من “حركيته”، بل كان عليها أن تلوح بالعصا عاليا، للضرب بقوة على يد كل من اقترب بسوء من مشروع ملكي بأهداف إستراتيجية لها علاقة بالورش الضخم للدولة الاجتماعية، أي بالمفهوم الجديد للدولة ككل.
لقد “أكل” منعشون وشركات ومقاولات ما يكفي من “كعكة” البرامج السكنية الاجتماعية السابقة على مدى عقود، وسمحت لهم الدولة، في إطار التحفيز، بالاستفادة من فارق الكلفة والأسعار والضرائب والإعفاءات وتسهيل الولوج إلى العقار، وراكموا، بذلك، ثروات فلكية، نقلت بعضهم من الدرك الأسفل للفقر، إلى نادي الأثرياء و”المرفحين” والمتحكمين.
ولأن الجميع يعرف الجميع في هذا البلد، ولا شيء طي الكتمان، فقد آن الأوان أن يفهم هؤلاء أن للوطن عليهم حقا كذلك، وعليهم واجبات لفائدة الدولة والمواطنين، عليهم أن يساهموا بها اليوم قبل الغد.
حقوق وواجبات، هي وحدها تصنع الفارق بين منعشين وطنيين وشرفاء من “أولاد الناس”، وبين “آخرين” يختزلون الوطن في حسابات بنكية، وجواز سفر وتأشيرة.
الوطن بالنسبة إليهم مجرد يخت فاره في مرفأ سياحي.
مبرمج على الهرب.