حميد زيد – كود////
لستُ مسدي نصائح.
ولستُ ممن يقول لك اعتن بصحتك. و مارسْ الرياضة.
واشربْ الحليب الدافىء. ولا تسهرْ.
ولا ترافق الأشرار.
لا. لا. لن أقول للشاب والمراهق أي شيء من هذا. لأني أنا بنفسي لا أشرب الحليب. ولا أحب مرافقة الأخيار. وأنفر ممن يسدي النصائح.
لكني سأكون معك صريحا. وأقول لك: أنت الأسوأ بين كل المراهقين طوال التاريخ.
فأنا لم أعرف مراهقا أكثر تصنعا من مراهق هذه الحقبة.
كما أنك أقل أصالة وإبداعا وتميزا من كل أجيال المراهقين الذين سبقوك.
فلا شيء يميزك. وحتى في الوقت الذي قررت فيه أن تنحرف. وتدخن. قررت أن تدخن دون أن تدخن.
وأن تنقطع عن التدخين دون أن تشرع فيه.
وأن تمج السيجارة الإلكترونية دون أن تجرب رشف السيجارة الحقيقية. والتي من ورق. وتبغ. ومن دخان حقيقي. ومن نيكوتين حقيقي. ومن قطران حقيقي.
وإن لم يكن هذا تصنعا فماذا تسميه أيها المراهق الأبله.
وتدخن كي تتظاهر بأنك تدخن.
وإن لم يكن هذا حب ظهور فماذا تعتبره.
بينما كان المدخن في الماضي محترما.
وكان يتحمل مسؤوليته. ويدخن الكاميل. والوينستون. ولا يهاب الخطر.
وكان يلف. ويلف. ويلف.
وعندما يتعب. لا يتوقف ولا يستسلم. قبل أن تخدعه شركات التبغ بثقافة اللايت.
و بالخفيف.
وبادعاء وجود سيجارة أقل خطرا من أخرى.
ولستُ هنا لأقول لك التدخين مضر بالصحة. ويسبب السرطان. ويقتل.
هذا ليس دوري.
لكني ضد هذا الجيل الذي يدخن كي لا يدخن.
وضد ثقافة التدخين دون تدخين.
والشرب دون شراب.
والإيمان دون إيمان.
والكفر دون كفر.
ضد هذا الجيل الذي لم يدمن يوما. ثم قرر أن ينقطع عن التدخين فجأة. مستعملا السيجارة الإلكترونية.
ضد جيل تفوح منه رائحة التفاح. والتوت. والفانيلا.
ضد تدخين منكّه.
و إما أن تدخن. أو لا تدخن.
وإما أن تكون. أو لا تكون.
و إما أن تنبعث منك رائحة تبغ قوية. أو لا ينبعث منك أي شيء.
فلا أنت دخنتَ. واستمعت. ونفث الدخان. ولا أنت امتنعت عن التدخين. وحافظت على صحتك. وتجنبت السرطان.
لأن خطر السيجارة الإلكترونية مضاعف. وهذا ما يؤكد غباءك و تصنع تمردك.
وأتفهم أن يلجأ شخص له باع طويل في التدخين إلى السيجارة الإلكترونية.
و أتفهم محاولته.
وهروبه من التبغ بأي طريقة.
ولجوئه إلى العلك. وإلى الحلوى. وإلى الصلاة. وإلى الشراب. وإلى أي شيء.
لكن ما لا أستطيع أن أستوعبه هو انقطاعك أيها الولد عن التدخين قبل أن تشرع فيه.
فهذا غير منطقي.
ولا ضرورة له. ولا معنى. ومثير للضحك. و مؤسف في نفس الوقت.
ويظهر كم هو هذا الجيل خاضع. ومتحكم فيه.
و ما لا أقدر على فهمه هو أن تموت مجانا.
و دون نشوة.
وبصدر فارغ من أي دخان حقيقي.
ومن أي وهم.
ومن أي حلم.
ومن حسن حظك أيها المراهق أنك جئت إلى العالم في عصر لم يعد فيه التدخين موضة.
ولم يعد مقبولا.
والحال أنه في عصر آخر كانت المالبرورو في المجلات التي نشتريها.
وفي الإعلانات.
وفي السينما. وفي الشاشة. وفي المسلسل.
ومن الصعب أن تجد فتاة تحبها وأنت لا تدخن.
لكنك رغم ذلك قررت أن تدخن كي لا تدخن. مقتصدا في حياتك. هاربا من التدخين الحقيقي. والمكلف.
ماضويا.
مقلدا.
إلكترونيا.
مزيفا.
افتراضيا.
غارقا في اللعب الإلكتروني. وفي العلاقات الإلكترونية. وفي الحب الإلكتروني. وفي الصداقة الإلكترونية. وفي الثقافة الإلكترونية.
وفي التدخين الإلكتروني.
حارما نفسك من تجريب الأشياء. ومن لمسها. ومن المغامرة. ومن تحدي الحياة. ومن التفريط فيها. و من المبالغة في عيشها.
وتأكد أنك بتصنعك هذا. سوف تصاب لا محالة. بسرطان إلكتروني. أخطر من كل السرطانات الموجودة.
وهذا كله دون تدخين.
تخيل أيها المغفل.
ودون لسعة التبغ العالق في شفتك. وفي لسانك.
ودون قهوة.
ودون سيجارة الصباح.
ودون سيجارة رمضان الأولى بعد الحريرة.
ودون سيجارة ما بعد الحب.
أما ما تقوم به الآن أيها الأحمق. أما ما تدخنينه اليوم أيتها البنت الحمقاء. فقد ينتج عنه تماس كهربائي. وقد يؤثر ذلك عليكما. وقد يتسبب لكما في ألم فظيع. وفي خفوت الرغبة.
فكل ما هو إلكتروني يسبب العنة.
وليس عندي شك أن السيجارة الإلكترونية هذه كلما امتزجت بشيء أفسدته.
وتفسد الحليب. وشراب العنب. والجلسات.
ولا مرمدة لها.
ولا قداحة.
و لا جريدة. ولا عقب لها. ولا بائع بالتقسيط.
ولا عاقل يدخنها.
ولا شاعر كتب عنها. كما حدث مع التبغ.
لأنه من غير اللائق. ومن غير المقبول. أن تعشقك فتاة. بينما تفوح منك رائحة الفراولة.
هذا لا يجوز.
ويسيء إلى الأولاد والبنات في هذه المرحلة من تاريخ البشرية.
هذه المرحلة التي اخترعت فيه الرأسمالية فكرة البدائل.
وبديل التبغ.
وبديل اللحم.
وبديل الحياة.
لتكتشف أيها الولد الغر أنك في النهاية لم تعش أي حياة.
ولم تدخن إلا إلكترونيا
ولم تنقطع عن التدخين إلا إلكترونيا.
ولم تقرأ إلا إلكترونيا
ولم تحقق ذاتك إلا افتراضيا
لتموت في النهاية بشكل أسوأ من ميتات كل من سبقوك.
مصابا بكل الأمراض
وبكل بدائلها.