حميد زيد -كود

ليس غريبا أن تهمهم السماء أو تئن.

 
إنها فوقنا وترى كل شيء، ولو كنت مكانها لما اكتفيت بالهمهمة والأنين، ولكنت قدفتكم بالنيازك والصخور والغمام الكثيف، وذلك من هول ما يحدث في الأرض، ومن هول الحماقات التي نرتكبها، ومن شدة جنوننا.
ولا أفهم لماذا تستغربون، وتشككون، وتنفون.

 
أنا سمعت أكثر من ذلك، وقد وصلني صوت السماء وهي تولول وتبكي وتنشف دموعها وتلطم خدها، ثم تمطر من جديد، وطبيعي أن تئن وتهمهم، وهذا أقل ما يمكنها القيام به كرد فعل.
هي أيضا فيها سكان، وسحاب، وملائكة، وينظرون إلى ما نفعله، ويحزنهم ذلك، ويدوخهم.
وقد حاولت جاهدا أن أهدىء من روعها، وطبطبت على كتف السماء، ونصحتها، ومسحت دموعها، لكنها ظلت تهمهم وتئن.
ولا أحد منكم يتفهم مشاعرها، ولا أحد يصدق، وهناك من يقول لقد انطلق النفخ في الصور.
وبعد أن اطمأنت السماء وتأكدت أني في صفها ومتضامن معها، قالت لي هل قرأت الجرائد العربية هذا الصباح، فأجبتها بإشارة من رأسي، وأخبرتها أني اطلعت على بعضها.

 
السماء: أليس من حقي أن أهمهم وأئن وأنا أقرأ جريدة الشرق الأوسط، فأعثر على كتاب رأي مسيحيين سنة، وفي المستقبل اللبنانية اكتشفت وجود أقلام وطائفة شيعية ذات توجه سني، وفي الأخبار اللبنانية هناك مقالات موقعة باسم كتاب مسيحيين شيعة.
أنا: هذا عادي سيدتي السماء ولا يدعو إلى كل هذا الحزن وكل هذه الهمهمة، فالمال الخليجي والإيراني يفعل فعله في الصحفيين والكتاب.
السماء: لن تصدق إن قلت لك إني وجدت في الصحافة العربية يساريين طائفيين شيعة، وعلمانيين مع السعودية، وماركسيين مع ولاية الفقيه، وليبراليين يمدحون عقوبة الإعدام.
أنا:  لكنك أفزعتنا صديقتي السماء بهمهمتك، وظنناه يوم القيامة، هذا بسيط، سيدتي، إنه عصر الطائفية، ولا يمكن لليساري والليبرالي أن يجلس في بيته وينتظر الرزق، حتى أنت أيها السماء لا تفكرين فيه، وفي عزلته، وفي خوفه من أن ينقرض، والراتب لا تنزلينه إليه، ولذلك يصبح شيعيا وسنيا، وينتقل بين الطائفتين كي يبقى على قيد الحياة، وهذا أيضا ما يفعله المسيحي العربي، يختار بين الطائفتين، ويميل إلى الذي يشغله، ويتحول تارة إلى مسيحي سني، وطورا يصبح مسيحيا شيعيا، كي لا يستسلم لمصيره كأقلية، وحتى روسيا فعلت ذلك، واختارت مذهبها.
السماء: همهمهمهمهمهمهم. أنا مندهشة فقط، وعقلي لم يعد يستوعب ما يقع تحت، في الأرض، بينكم.
أنا: طبيعي جدا عزيزتي السماء، فالإنسان ابن قبيلته وطائفته ومعتقداته لا تتجاوز أرنبة أنفه.
السماء: لقد دوختموني وأحزنتموني، إلا أنكم لم تسمعوني حين قهقهقت، وكدت أموت من الضحك، ولم يكتب أحد في الفيسبوك ولا في الجرائد، أن المغاربة سمعوا  في الدار البيضاء ومراكش وطنجة  قهقهة وضحكا قويا قادمين من السماء.
أنا: وما الذي أضحكك.
السماء: أساتذة متدربون يرتكبون أخطاء نحوية في نضالهم.
أنا: هذا طبيعي سيدتي ويحدث دائما.
السماء: ألا ترى معي أنها نكتة.
أنا: سعيد فعلا لأنك ضحكت، وهذا أفضل على أي حال من الهمهمة والأنين.
السماء: أنتم عالم غريب.
أنا: كيف.
السماء: تكتبون وتنشرون دائما في الفيسبوك وفي مواقعكم  أخبارا عن ملائكة هبطوا من السماء وحطوا بالأرض.
أنا: أليس هذا ممكنا.
السماء: يجب على الملائكة أن يفقدوا عقولهم ويجنوا حتى يقرروا النزول، وهذا لن يحدث أبدا، فجميعكم مكومون في الفيسبوك كصورة مصغرة ليوم الحشر، وتنتظرون ضحية لتنهشوها، وجميعكم تتكلمون في هواتفكم، ومن لا يتكلم يبحلق فيه ويتظاهر بأنه منشغل، ولن يغامر ملاك بأن يهبط ليرى هذا الفقر والضيق في المساحة و المشاعر الذي تعيشونه، ولو حدث ذلك، ونزل ملاك، فإنه مضطر، أو مجروح، أو يعاني من كسر في أجنحته، وعليكم أن تساعدوه على العودة إلى سمائه الواسعة، عليكم أن تعيدوه إلى بيته، إلي أنا السماء.
أنا: ما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها إلينا نحن المغاربة.
السماء: مستحيل، مستحيل أن أنصحكم، فبسببكم أهمهم وأئن وأولول وأقهقه وأبكي، وأخشى ما أخشاه هو أن أقع فوق رؤوسكم، فكفوا، كفوا، ولا تدغدغوني، ولا توتروني، ولا تدوخوني.
أنا: كلمة أخيرة.
السماء: ما أغباكم.
أنا: وماذا عن همهمة السماء.
السماء: عنوان قصيدة لم يكتبها شاعر قديم، وبعد أن مات، خرج العنوان يبحث عن شاعر يكمل المهمة، وفي الطريق تلقف أهل النثر العنوان، وأخذوه على محمل المجد، دون مجاز ولا استعارات، حتى سقط الخبر في الفيسبوك، وتحولت الكلمة إلى صوت، والسماء صارت سماء، بينهما هي في الحقيقة شيء آخر، كان عنوانا في الماضي لقصيدة، وشاءت الأقدار أن يموت صاحبها قبل أن يكتبها.