وجاء فيه أن القضاة، فيما يخص تأليف المجلس الأعلى للقضاء يرون أن «مهامه لا تخرج عن تعيين القاضي وترقيته وإسناد المسؤولية إليه وانتقاله وتأديبه وإحالته على التقاعد»، وبالتالي فهو شأن داخلي، يجعل من الضروري، حسب البلاغ، جعل «هذا الشأن من اختصاص القضاة لوحدهم ودون غيرهم من أفراد ومؤسسات من خارج السلك القضائي». وبالتالي، فإن المجلس الأعلى للقضاء يظل هو المجلس الذي يتشكل فقط من سلك القضاء.
يبدو المنطق شبه سليم، إذا ما قارناه بالمهن الأخرى، ويبدو كما لو أنه تحصيل حاصل.
والحق أن مجالس كثيرة في العالم تخرج عن هذا المنطق المهني الذي يكاد يصل إلى القبيلة المغلقة.
القضاة أبناء عصرهم وسياسته وقوانينه، ولهذا يصعب حصر مشاكل المجلس الأعلى للقضاء داخل القضاء.
  إن اللباس ليس هو الذي يصنع القاضي، كما أنه لا يصنع الراهب، والرهبنة المهنية لا تليق بالسادة القضاة، لأنهم من صميم هذا المجتمع ومن قيمه.

القضاء ليس فقط مهنة، بل هو قيمة وسلطة، والطب مثلا والتعليم ليسوا سلطا بالمعنى الدستوري..
 في بلجيكا يوجد الأعضاء المنتخبون  وهم من سلك القضاء وغير المنتمين إلى السلك، من قبيل المحامين والمتصرفين الإداريين في الهيئات المهمة، بل أعضاء صحافيون (السيدة آن دريسن مثلا)
 الأكثر من هذا، فهو يندرج ضمن المشروع الديموقراطي ككل، وليس الإصلاح الإداري أو القضائي المحض.. و  بذلك يبحث له عن مكانة ما بين السلط ، القضائية والحكومية والتشريعية….

 لا يمكن أن يستيقظ القضاة ليجدوا أنفسهم أنهم ليسوا مثل الآخرين أو حتى أنهم يكرهون أن يدخل آخرون بيتهم!
إن في تشكيل اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور نفسها تأسيسا لما يجب، ولطريقة العمل في أعلى نص وأسماه وهو النص الدستوري، الذي يشمل المغاربة كلهم، وقد ضمت من كل التخصصات والآفاق، على قاعدة المعايير المعلنة في خطاب 9 مارس، أي النزاهة والتجرد والكفاءة.
 وفي الإحالة على خطاب 9 مارس 2010، إحالة على إطار مرجعي أساسي في صياغة التصورات حول القضاء.

هناك اليوم إجماع داخل الأوساط الحقوقية والسياسية والجمعوية على ضرورة الإبداع في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وهو إجماع لا يمكن أن نرده إلى رغبة في «التلصص» على القضاة المحترمين من خلال ثقب في تركيبة المجلس، بل هو شعور بضرورة كبرى للسمو بهذا المجلس إلى مرتبة أعلى.
إذا كان المغرب سيقدم أحسن أطره وأكفأهم ونخبة النخبة وصفوة الصفوة إلى هذا المجلس، فهي هدية وليست فخا أو تنقيصا من الجسم القضائي المحترم.
ويعرف السادة القضاة المحترمون في الودادية، أكبر من العبد الفقير إلى رحمة ربه وهدايته،أن المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا عاش إلى حد الآن 3 مراحل أساسية، تمت فيها تغييرات جوهرية تقدمت بالقضاء إلى ما هو عليه اليوم، ومازال يتطور.

ولا أعتقد بأننا سنخطئ في حق قضاء مصر الشامخ إذا قلنا إن المرحلة والعقل السياسي المغربي يرى اليوم تجارب الدول الأوروبية أقرب إليه من حيث الاستيهام والاقتباس، وليس من حيث تطويع الواقع إلى الرغبة السياسية …

 فالسياسة لا يمارسها من درس العلوم السياسية أو تلقى تكوينا في التدبير والشركات..فقط!
الأمر أعقد بكثير من ذلك..

 والواقع الحالي للقضاء لربما يفرض وجود عربون للتجرد، كما دعا إليه ملك البلاد، من خلال تواجد من هم من خارج السلطة القضائية. والاقتصار على البعد «العائلي» قد لا يكون بالضرورة إيجابيا 100% ، ولعل أنجع وأكثر القضاة ذكاء، قلما يصل إلى حل المشاكل العائلية، على حد قول جيانغ زيلونغ..
ويبقى الإطار المرجعي الأساسي هو ما جاء في الخطاب الملكي ونعني به «: الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه».