وتذكرت لحظتين أساسيتين في الواقع.

أولهما عندما قال نوبير الأموي، الكاتب العام للكدش، وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وقتها، هكذا تصريح، قامت القيامة ولم تقعد.
وكان المرحوم الحسن الثاني في قمة غضبه. وتولى المرحوم ادريس البصري التأويل العملي لما يجب القيام به في هذه الحالة ..
ولم تمر الحكاية إلا بعد أن وجدوا للزعيم النقابي تهمة تليق بالمقام دون أن تكون السبب المباشر، في حكاية «مانغانطيس.»
من ذكر المانغانطيس؟

إنهم اللصوص أيها السادة بلغة الصحيفة الإسبانية التي أجرت الحوار مع الأموي وقتها.
مياه كثيرة سالت،

ودماء غالية، أيضا، منذ ذلك التاريخ.

واليوم أصبح الفاسدون، الذين لا ينعتون بالضرورة باسمهم الفصيح، بقايا زمن المانغانطيس الذي دفع ثمنه الزعيم النقابي غاليا وقتها.
وأصبح مطلب محاربة الفساد، وأسماء اللصوص على القارعة.

وأما سيادة ملك البلاد بدون حكم، وهو توقع تاريخي له أجندته وشروطه  كما علمنا التاريخ، وليس فقط الإرادة  والرغبة، فهي أيضا، أصبحت شعارات تعلق على جدران المرحلة وعلى شاشاتها.

 ولهذا الأمر أيضا تاريخ  صغير، كبير لابد من قوله: الملكية البرلمانية منذ سنوات 1978، و تاريخ المؤتمر الوطني الثالث للاتحاد الاشتراكي، وهي تعيش في قمطر التاريخ كاحتمال واسع، لكنه رهيب للغاية، وكان لابد من انتظار أن يتطور التاريخ ولو من الجهة السيئة  فيه، لكي نطرح الاحتمال على الشارع العام.

التاريخ ليس رواية نتجول بها على طول الحارات والشوارع، لكنه أيضا، في جزء كبير منه، هواء نظيف في الشارع العام، وقوة حيوية يترجمها هذا الشارع، لهذا يكون من المفيد أن نقول بأن الملك  يسود ولا يحكم لم تعد تقود بالضرورة إلى الأحكام.
وهذا أمر جيد للغاية، ويعني أننا نسير في اتجاه غير محفوف بالألغام وبالحيل القاتلة.

ولما أعاد الاتحاد الاشتراكي المطلب ذاته  في أفق يتأسس على تاريخ قابل لكل التمديد أو الاقتصار، حسب  نضج البلاد والمؤسسات.. سمعنا من استنكر كل ذلك،  ولم يبق سوى أن يفتي فينا بالويل والثبور.

كان ذلك منذ ثلاث سنوات لمَن فقد القليل من الذاكرة، وبدأ يعتقد بأن السياسة ولدت يوم بدأت «يفتح» علينا بمشوراته اليومية في الانبطاح والخنوع!
على كل، عندما قرأ الاتحاد بيانه بضرورة الإصلاح، قيل لنا وقتها بأن الاتحاد يهرب إلى الأمام، ويسعى إلى لي ذراع ملك البلاد!
وقيل لنا حتى أنها محاولة لبعث الروح في حزب ينقرض بفعل ما لم يسموه وقتها سوى بقاموس الإدانة.
والغريب أنه عندما يرفع آخرون اليوم، كامتداد لحق يعرف المغاربة أنه  لابد من أن يتوافقوا مع ملك البلاد  عليه، الحاجة إلى إصلاح دستوري، ينعتون بأنهم جاؤوا كمتأخرين إلى السهرة

ولم يضعوا النظارات الجديدة المطلوبة في مثل هذه الأجواء الضبابية!
الملكية البرلمانية مطلب عادي، أساسي، متداول في الخطاب العمومي. وأصبح من الممكن أن يعلن، كل من أراد، عن مطلبه وللمغاربة أجمعين أن ينظروا في ذلك كما تشاء حريتهم.

في التاريخ الحالي لحظة أساسية، يقول فيها الناس ما يعتبرون أنهم مطالبون به أمام بلادهم، ومن واجبهم أن يقولوا ذلك، مع استحضار كل الشروط المحيطة، وبالأساس شروط الاستقرار والوحدة الوطنية والدور الريادي للملكية في صناعة لحظات التثوير.
لقد ربحنا فعلا من هامش الحرية، وسنربح أكثر مع توسيع هوامش الإصلاح المؤسساتي.
واليوم عندما نقارن لحظة الحوار مع الأموي في يومية «المواطن» ، وتصريحات عيوش في ليزيكو، نرى أننا بدأنا نحول النقاش، أي نقاش، إلى مسألة عادية في بلادنا.

وهذا ربح  كبير للغاية، ولا يمكن أن يقاس سوى بعمر الشعوب.