لنتخيل الأمر بشكل آخر لكي تكون الصورة أكثر اكتمالا لنا. يوم عرض فيلم "عين النسا" في كان سيصعد الممثلون المغاربة الذين سيتم اختيارهم لحضور المهرجان من محمد مجد إلى محمد خيي إلى آمال الأطرش إلى التسوليين محمد وسعد الأب والإبن إلى البقية رفقة ليلى بختي وحفصية حفزي بطلتي العمل أدراج مهرجان كان الشهيرة, نفس الأدراج التي سيصعدها قبلهم أو معهم أو بعدهم في نفس اللحظة والحين رئيس لجنة تحكيم هذه السنة روبير دي نيرو, وسيجدون في استقبالهم أعلى الأدراج جيل جاكوب رئيس المهرجان وبقية طاقمه.

ستلتقط صورهم الكاميرات العالمية التي توجد في هذا المهرجان (كان هو الحدث الثالث من ناحية التغطية العالمية الإعلامية بعد الأولمبياد وكأس العالم لكرة القدم), سيتردد إسم المغرب في ذلك المحفل الدولي مصحوبا بأسماء أبطال العمل, ستشاهد القاعة الكبرى للمهرجان فيلما صور بالكامل في المغرب, ولعب بطولته ممثلون مغاربة, سيربط الكثيرون حينها بين البلد الذي يشاهدونه على الشاشة الكبرى هناك وبين ربيع الديمقراطية العربي, سيقولون إن المغرب هو البلد الذي يتم فيه اليوم الإصلاح دون إراقة دماء, وهو البلد العربي الوحيد الذي قبل حاكمه أن ينخرط في المطالب التي رفعها الشارع والشباب إليه.

ستكون صورة وردية بالتأكيد عن بلدنا لايمكن لمن يخفق قلبه بهوى المغرب, بحب المغرب, بعشق المغرب إلا أن يفرح لها. طبعا هناك الآخرون. القلة الحاقدة على المسارات الشخصية الصغيرة. هي لاترى في كل هذا الإشعاع العالمي أي مغرب وأي وطن وأي شيء له علاقة بالمشترك الجماعي. كل مايظهر لها هو أن الناس ستقول "السينما المغربية مشات لكان فعهد نور الدين الصايل". وهذه مسألة غير ممكن التحمل بالنسبة لها.
ستسب الجهة إياها الصحافيين الذين سيكتبون _ مثلما أفعل الآن بوجهي أحمر _ بإيجابية عن مشاركة المغرب في المسابقة الرسمية لكان, وعن مشاركته أيضا بفيلم ليلى كيلاني في "أسبوعي المخرجين" في نفس التظاهرة, سيقولون عنا إننا حواريو الرجلو وندافع عنه, و"مانعرف شنو".

سنجبيهم بكلمتين لاأقل ولا أكثر "جيبو لينا شي إشعاع عالمي بحال هادا ونكتبو عليكم المعلقات, يلا قدرتو". للأسف لن يستطيعوا, مايتقنونه هو الحقد المخطوط أسطرا عبارة عن شتائم في اتجاه الجميع أو تقريبا الجميع, لأنهم يصلون حتى "أسيادهم" ويقفون, يفرملون بقوة ويفكرون مليا في ما يمكن أن يكتبوه وفيما يمكن أن يتركوه مؤجلا إلى حين. عكس ذلك حين يتعلق الأمر بتشويه الناس, بسب سمعتهم, بنشر الملفات الفارغة عنهم, يكونون في المقدمة باستمرار.

لذلك حق علينا أن نفخر بالمشاركة المغربية في مهرجان مثل كانو تماما مثلما نفخر بأي شيء جميل حدث في هذااالوطن, بكل بساطة لأننا نؤمن أنه ووسط كل القبح المحيط بنا ووسط كم المشاكل التي لاتنتهي والتي تريد إصلاحا فعليا وسريعا من العادي أن توجد بعض الإشراقات هنا وهناكو كأن يفوز كاتب مغربي كبير مثل اللعبي بالغونكور, كأن يتوج فيلم مغربي في أكبر مهرجان إفريقي للسينما بالفيسباكو مثلما حدث لمحمد مفتكر, كأن يتوج فريق مثل الفتح الرباطي بكأس إفريقيا وسط كم الإخفاقات المحيطة بنا رياضيا منذ سنوات, كأن يتم اختيار فيلم مغربي صور في المغرب, وساهمت في إنتاجه شركة مغربية هي أغورا فيلم, ويلعب بطولته مغاربة, ويشرف عليه تقنيون مغاربة للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان, كأن نكون الاستثناء الوحيد في العالم العربي لملك يقبل طواعية أن ينخرط في إصلاح بلده تماما مثلما طالب الشباب بذلك.

هل أخلط بين أشياء لاعلاقة بينها؟ لا أعتقد ذلك. أنا أتصيد فقط لوطني لحظات إشراقه الجميلة التي تجعلني فخورا بالانتماء إليه رغم كل شيء, ومصرا على إصلاحه ورتق عيوبه الكثيرة مع التنويه بالإيجابيات القليلة حين يجود بها الزمن. في الوقت ذاته أترك للآخرين الذين يتقنون تصيد الهفوات لكي يبنوا عليها حقدهم وتصفية حساباتهم الصغيرة مع أنفسهم أولا أن يفعلوا ما يريدون.
في الختام, ألا يقولون "بضدها تعرف الأشياء"؟