أيضا أشدنا بإطلاق سراح هؤلاء لأن ظروف محاكماتهم لم ترق لكي تكون فوق مستوى الشك, ولأننا نرفض أن يبقى معتقل سياسي واحد في بلدنا, ولأننا نريد قطع الطريق على المزايدين على أمن الوطن بالشعارات الكاذبة والرنانة, ولأننا رابعا وأخيرا نؤمن بأن روح 20 فبراير التي هبت على المغرب, وهي روح مباركة للغاية, يجب أن تمنع بقاء مغاربة في السجن لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم مهما كان هذا الرأي صادما أو متوحشا أو موغلا في الظلامية, طالما أنهم بقوا في طور التصريح ولم يمروا لمرحلة الفعل أو التورط في دم مغربي واحد كبر أو صغر شأنه, ومهما كانت ديانته أو لا ديانته.

هذه الأسطر الأولى للتوضيح والرد على من كاتبونا يقولون لنا إننا انقلبنا مائة وثمانين درجة من انتقاد الظلاميين إلى التصفيق لإطلاق سراحهم, وكذلك لكي نكذب كل من قال إننا "غرقنا الشقف"ّ للسلفيين يوما أو طالبنا بإجلاسهم على "القراعي", وهو طبعا أمر غير صحيح ومضلل ومغرض بكل بساطة لأننا أبناء هذا الشعب الفقير. كما أن هذه الجريدة سليلة تجربة كبيرة عند روادها ومؤسسيها في الاعتقال السياسي أكثر من العديدين الذين اكتشفوا نضال الصالونات المكيفة والكلام الذي لا يكلف صاحبه شيئا في هذا الزمن. ورحم الله سي محمد مؤيد رئيس تحريرنا السابق الذي خرج من الكوربيس في سنوات السبعينيات بجسد مثقل بالجراح, ولم ينبس ببنت شفة, بل لم يسع يوما إلى ضوء أو تصدر واجهة إلى أن تذكره خالقه فذهب عنده راضيا مرضيا.

لنعد الآن إلى تصريح الفيزازي. بعض شباب حركة 20 فبراير صدموا كثيرا للتصريح الخطير, بل وكتب أحدهم, وهو بالمناسبة نجيب شوقي الناشط كثيرا في الحركة, والمتحدث من بين المتحدثين باسمها في أكثر من وسيلة إعلامية بالحرف على بروفايله الشخصي في الفيسبوك "وسمعو هاد وجه الحبس..دافعنا عليه حتى خرج من الحبس و بغا دبا يجاهد فينا زعما؟؟", بل ومضى شوقي بعيدا حين طالب بمحاكمة الفيزازي محاكمة عادلة لمنعه من نشر الكراهية والعنصرية بين المغاربة.

علينا أن نكون واضحين: الفيزازي فيما يقوله متناغم مع ماقاله قبل 16 ماي 2003 وماقاله بعدها, وهو يعبر عن رأي موجود لدى مختلف فئات الحركة الإسلامية مفاده أن (شباب العشرين من فبراير يهيئون لنا اليوم الأرضية لكي نخرج إلى الشارع دون أدنى إشكال, وغدا أو بعد غد حين ننتهي من صراعنا مع النظام سنلتفت "لرباعة البراهش" هؤلاء وسنريهم جيدا "معنى النضال"). الحركة الإسلامية في نهاية المطاف تتصور شباب الحركة تماما مثلما تصورهم البيغ في أغنيته التي أثارت القيل والقال. الفرق بين الإخوانيين وبين البيغ هو أن الثاني مغن قال ماقاله ومضى لحال سبيله, والأوائل جهة سياسية دعوية لديها أجندة من نوع آخر قد تمر إلى سرعة أقصى إذا ماطلبت منها قيادتها الدينية ذلك.

لنتحدث بصراحتنا العادية والعارية: هل يتصور شباب حركة  فبراير الحالمون بالحرية لوطنهم أن العدل والإحسان التنظيم المؤسس على فكرة القومة والخلافة الراشدة وعودة منهاج النبوة, وتكليف الشيخ سيدي عبد السلام ياسين بقيادة الأمة من أرض المغرب, سيحفل بأمر شباب يريدها حرية فعلية في أرض الوطن؟ هل يتخيل "الدراري" أن لدى هؤلاء أي تشابه كيفما كان نوعه مع مطالب الحرية الحقيقية في الشارع المغربي؟ هل يتخيلون أنه من الممكن غدا أو بعد غد إذا مادانت الأمور لياسين وصحبه أنه من الممكن لفتاة أن ترتدي الجينز والتي شورت دون ذراعين وتخرج إلى الشارع حاملة لافتة مكتوب عليها "الشعب يريد كذا وكذاّ؟"
إذا تخيل الشباب أن الأمر ممكن فليعذروني حقا, ولكنني سأصفهم حينها بالواهمين الذين لايعرفون شيئا, والذين لم يسبق لهم أن اطلعوا على تجارب مختلف الحركات الإسلامية في كل الدول العربية الأخرى. أما إذا كان الشباب يلعبون اللعبة بذكاء ويعتبرون أن نزول العدليين معهم إلى الشارع يعطيهم القوة العددية اللازمة للاستماع إليهم, فعليهم أن يستعدوا لتغير وجه العملة يوما, وعليهم أساسا أن يكفوا عن إبداء استغرابهم حين صدور تصريحات مثل تصريح الفيزازي الأخير الذي دعا فيه إلى تطهير الحركة من الدخلاء والملاحدة.

سير طهر غير عقلك نتا الأول, وسير شوف أصلا واش مطهر ولا خصك تعاود الطهارة أيها الرجل, هداك الله وأصلحك فعلا.