حميد زيد كود ///

أنا محاصر في موقع كود.

أنا منزوع السلاح.

أنا متخلى عني.

أنا وحدي.

أنا أتعرض كل يوم للقصف.

أنا مشرد في الخارج. أنا شتات. ولا مكتب لي.

أنا خارج موقعي وأطالب بحق العودة.

أنا لا أمزح.

أنا أتحدث بجد. وبحسرة.

أنا وسط خط تحريري طارىء. ودخيل. محتل للموقع. و يريد أن يفرض علي أن أكون مع إسرائيل. وأن أدين المقاومة.

أنا صامد.

أنا في قلب المعركة.

ولن أستسلم.

ولن أذعن.

ولن أتنازل عن ذرة واحدة من تراب موقع كود.

أنا محشور في الزاوية.

وليس لي حلول كثيرة. ولا أتلقى أي دعم.

وليست لي “أونروا”.

وليست لي قطر لتعيد بنائي.

أنا مثل كثير من أهل غزة أشتغل في موقع كود. وأضطر كل يوم لأعبر إليه. مجتازا معابر كثيرة. متعرضا للتفتيش. عائدا في المساء إلى بيتي.

أنا هذا هو وضعي منذ هجوم كتائب القسام المباغت.

أنا لم أعد أعتبر ما يصدر في كود رأيا. واختلافا.

أنا أدينه. وأرفضه.

ولا يحق لمن لا يعرف ما يقع داخل كود. ولمن لا يعيش بيننا. الحكم علي. ولا الحكم على كود.

لا يحق لأحد أن يوجهني.

أو يقول لي ما الذي علي أن أفعل.

ومتى أقاوم.

ومتى أتوقف.

أنا لست مع أحد.

أنا مطوق من كل الجهات.

وأقرأ كل يوم كلاما صادما.

كأن كود مخترقة.

كأن كوموندو إسرائيلي قام بإنزال فيها.

أقرأ شبابا في كود يعتبرون أمثالي كائنات من الماضي.

و قد أكون داعشيا بالنسبة إليهم.

وقد أكون من وجهة نظرهم قومجيا.

وقد أكون ماموثا.

وقد يتهمونني بالإرهاب.

لكن هذا الموقع لي. وفيه أنجبت آلاف المقالات. وفيه أولادي. وبناتي. وفيه ربيت أفكاري. وراجعتها.

وفيه فترة مهمة من حياتي.

وفيه اشتغلت على لغتي.

ولن أتخلى عنه.

ولن أفرط في ركن واحد منه.

ولن أسمح بدخول إسرائيل إليه.

ولن أسكت.

وأخطاؤه لي. و حريته لي. و مواقفه لي. وجنونه لي. وهو الذي يسمح لي بأن أكتب هذه الكلمات.

وهو الذي يسمح لي بأن أصرخ.

وأحتج.

ومنه أوجه نداء إلى كل أصدقاء هذا الموقع.

وإلى كل محبيه.

كي يتدخلوا.

وينقذوا المقاومة في كود.

وكي تعود الحياة في الموقع إلى طبيعتها.

ولن أقبل ما دمت حيا بأن يخترقه المتضامنون مع دولة احتلال.

أنا حارس موقع كود.

أنا وعي كود الشقي.

أنا في داخل موقع كود. وأعمل فيه. وأدافع عن مواقفي فيه.

ولن أهرب.

ولن أذهب إلى الدوحة.

أنا هنا. ووحدي.

ولن أقول أبدا ما حييت أنا مع إسرائيل.

لن أمدحها.

ولن أبيض صفحتها.

أنا ضدها دائما.

أنا ضد إسرائيل.

وضد احتلالها. وضد إرهابها.

وقد أكون مع أي شيء آخر. ومع أي دولة أخرى.

لكني دائما ضد إسرائيل. مادامت تحتل أرضا ليست لها.

و قد أكون مع الجميع. لكني ضد إسرائيل.

ولن أنخدع.

ولن أكون مع الظالم. فقط لأن الذي يقاومه هو حركة حماس.

ولست حالما.

ولست متطرفا.

ولست مع الإسلاميين.

ولست مع أعداء اليهود.

ولست ضد التطبيع.

لكني دائما مع حق الشعب الفلسطيني.

و قد لا أكون عربيا.

وقد لا يكون لي أي دين.

لكن لا شيء يبرر أن يدافع بعض المغاربة عن المجرم. و يدينوا الضحية.

وليس رأيا أن تكون مع القاتل.

ومع المغتصب.

ومع المحتل.

هذا ليس موقفا يمكننا أن نختلف حوله في كود.

هذا احتلال لموقع كود ويجب أن نسميه باسمه.

هذا سقوط أخلاقي.

وما يقع داخله فيه تقديم خدمة للقاتل.

فيه إدانة للضحية.

أنا لست رافع شعارات. ولا منشدا للأغاني. ولا فيسبوكيا.

أنا لست ملتزما.

ولا مستلبا. ولا عروبيا. ولا إسلاميا. ولا بعثيا. ولا أحن إلى الماضي. ولا أشتاق إلى المستقبل.

لكني مع ذلك لن أكون مع دولة إسرائيل.

وهل يمكن لإنسان أن يكون مع القتل. ومع التهجير. ومع الظلم. ومع الدمار. ومع قصف البنايات السكنية على رؤوس الأطفال والنساء. ومع سجان يسجن مليوني فلسطيني.

هل يمكن لأي شخص أن يتضامن مع المستعمر.

ومع محاولة التخلص من شعب.

بعد سرقة أرضه منه.

هل يمكن لموقع كود أن يكون مع دولة تعتبر الفلسطينيين حيوانات.

وتصفهم بهذا الوصف.

هل يمكن بعد هذا أن نلوم الضحية.

أنا ضدها ما حييت. ما دامت لم تمنح الفلسطينيين حقهم. ودولتهم. وأرضهم.

أنا ضد الخلط.

وضد الحماس الزائد.

أنا ضد كل هذه الخفة.

و أن تتخذ موقفا تعجز عن الدفاع عنه.

لأنه لا يستقيم من الناحية الإنسانية والأخلاقية.

أنا ضد أن أكون مع الغرب. ومع الإعلام الغربي. وهو يفتش صدور الناس. ويفرض عليهم إدانة المقاومة.

وإلا فهم مع الإرهاب.

وإلا فهم معادون للسامية.

أنا لا يمكن أن أكون إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين. الذين يرفض بعضهم دولة الاحتلال. ويدينها. ويدافع عن حق الشعب الفلسطيني.

أنا الآن أقاوم وحدي في موقع كود.

والعالم يتفرج

والمجتمع الدولي. وكل الزملاء.

أنا ضعيف. ولا أدعي بطولة. ومستعد للاستسلام.

لكني أفضل الصمت في هذه الحالة

على أن أشارك في الدعاية الإسرائيلية

و أروج لخطابها.

مادحا القتلة.

مُدينا القتلى.

كأن القصة بدأت يوم أمس.

وكأن إسرائيل بريئة

و لا دخل لها

ومهددة في أمنها.

وتطوقها من كل جانب”حيوانات بشرية”.