حميد زيد – كود//

كل هذه المدة.

كل هذه السنوات التي اختفى فيها عن الأنظار.

لم يكن فيها إلياس العمري يتابعنا.

ولم يكن فيها يتابع حزب الأصالة والمعاصرة. ولا أي حزب. ولا أي شيء.

ربما لأننا لم نكن في المستوى.

وربما لأننا خيبنا ظنه فينا.

كان إلياس العمري بعيدا.

وتارة كان في الصين. وطورا في الهند. وأحيانا في أوربا.

وبعد أن عاد.

وبعد أن ظهر في حوار مع الزميلة نعيمة المباركي.

عرفنا لماذا لم يكن يقع أي شيء في المغرب خلال كل هذه الفترة.

وإذا ظهر السبب بطل العجب.

فمغرب سياسي لا يهتم به إلياس العمري. ولا يتابع أخباره. هو مغرب لا يمكن أن يحدث فيه أي شيء.

مغرب يدير له إلياس العمري ظهره هو مغرب متوقف. وجامد. ويراوح نفس المكان.

وما علينا إلا أن نشكر إلياس العمري الذي قرر أن يهتم بنا من جديد.

ويتابع جديدنا بعد قطيعة دامت لأعوام.

ولنعتبرها لحظة فارقة.

فكم من شخص اختفى ثم عاد إلى الظهور.

لكن لا أحد مثل إلياس العمري.

فظهوره الأول قصة. واختفاؤه قصة ثانية لا تقل إثارة عن الأولى.  وحياته كلها حكاية تستحق أن تروى.

وإذا كانت هناك رواية ناجحة في المغرب فهي التي اسمها إلياس العمري.

ولا تحتاج إلا لمن يكتبها.

ولهذه الأسباب مجتمعة لا ندري كيف نبدو للأمين العام الأسبق لحزب الأصالة والمعاصرة اليوم.

وهل تغيرنا.

وهل تطورنا.

وهل تحسنا مقارنة بالماضي.

وكم سيكون مفيدا لو تحدث عنا في حلقة ثانية مع الزميلة نعيمة المباركي.

كما أننا نجهل لماذا قرر إلياس العمري تركنا في وقت كنا في أمس الحاجة إليه.

وهل نحن الذين أغضبناه.

وهل الدولة.

وهل صديق صديقي.

وهل شخص آخر. حتى ينسحب من كل مناصبه.

ومن الحياة السياسية.

ومن الصالونات. ومن الثقافة. ومن الندوات. تاركا المؤمنين به. وبنظرياته.  دون سند.

ولا زعيم.

و لا شك أن ظهوره بعد كل هذا الغياب. واهتمامه الجديد بنا. وبمشاكلنا. سيمنحنا دفعة قوية.

خاصة أنه قرر أن لا يكون طرفا. كما قال بعظمة بلسانه.

ولا منافسا لأحد.

بل زميلا لنا في تجربة إعلامية نتمنى له فيها كل التوفيق.

وقد كنا نتمنى أن يعود إلينا إلياس السياسي.

لكن لا بأس.

ولنقنع في الوقت الحالي بإلياس الحكيم. والصحافي. والمفكر. ريثما نسترجع كامل إلياس.

وقليل من إلياس العمري أفضل من لا شيء منه. ومن اختفائه. ومن استفادة الهند منه.

وأي مستمع للحوار الذي خص به موقع هسبريس. لا بد أن  يتأسف على كل هذا الوقت الذي كان فيه الرجل غائبا. منعزلا. متفرجا في مونديال قطر. ضيفا على الخليجيين. وعلى الآسيويين. الذين كانوا ومازالوا يقدرونه. ويعولون عليه باعتباره رجل دولة.

وصديق صديقي.

وقد نختلف مع إلياس العمري.

لكن لا أحد يمكنه أن ينفي أننا افتقدناه.

وافتقدنا فلسفته. وتحليله للوضع. وللإنسان أنموذجا.

فمن من رجال السياسة. يمينا. ويسارا. ووسطا. بمقدوره أن يجترح هذه الفكرة.

من يستطيع أن يتحدث عن العلاقة بين الكرسي وبين من يجلس عليه.

وهل الذي يجلس عليه هو الذي يمنحه معنى. أم الكرسي هو الذي يمنح معنى لمن يجلس عليه.

وقد فعلها إلياس العمري. وأبهر كل الذين استمعوا إليه. ومن ثنائية الكرسي ومن يجلس عليه. عرّف نفسه. وعلاقته بالسلطة. وفسر غيابه. ولم يفسره.

فالكراسي كلها تعرف إلياس العمري. وتدعوه إلى الجلوس.

لكنه يرفض ذلك. ويعتذر لها بأدب.

فقلة من رجال السياسة من تحترمهم الكراسي. لأنهم يمتنعون عن النهوض.

بينما يحترم الكرسي إلياس العمري. ويقدره.

وقد يظل يبحث عنه. وينادي عليه. دون جدوى.

بعد أن قرر إلياس العمري ترك كل شيء. لاجئا إلى عالمه الخاص. متأملا نفسه. والعالم. مدونا مشاهداته. وموقفه من الأشياء. ومن البشر.

وقد عاد إلياس معتذرا.

عاد معترفا بأنه هو الآخر أخطأ

عاد زارعا شعرا في صلعته

عاد هو هو. وشخصا آخر في الآن نفسه.

عاد بحكاياته الملحمية.

وبقصة هروبه في الغابات.

وبحديثه عن فوزي لقجع الذي منحه يوما ما كوب حليب.

عاد متحدثا عن شخص منحه درهما حين كان الدرهم بمثابة ثروة بالنسبة إليه

عاد كما كان

ولا تعرفه هل يمزح أم أنه يتكلم بجد.

عاد ليعلن عن برنامجه السياسي في راديو خاص.

عاد ليصبح زميلا لنا

و ليخبر كل المغاربة أنه. وبعد كل ما وقع. سيخوض تجربة جديدة.

وبعد أن كف عن متابعتنا لسنوات

عاد إلياس العمري ليدعونا نحن إلى متابعته. والاستماع إليه.

عاد دون أن يقول لنا

هل مازال صديق صديقي أم أنه لوحده الآن.

بلا أصدقاء

ولا نفوذ

ولا سلطة.