أعترف أننا لم نفهم كثيرا ماوقع, وأن رد فعل هؤلاء "الطلبة" قد أعربنا بالفعل, خصوصا وأن شهادات لطلبة آخرين تحدثت عن تردد أجهزة الدولة منذ الفترة الأولى للصباح في إبداء الحزم الضروري لمواجهة هذا الانفلات الأمني الذي لايمكن اعتباره لا مظاهرة رأي ولا تعبيرا عن غضب ولا أي شيء. التوصيف الحقيقي لما وقع في العرفان يوم الجمعة الفارط هو "الضسارة" لا أقل ولا أكثر. وأعرف ويعرف غير من المنتمين لمختلف المدن المغربية الأخرى أنه لو تعلق الأمر بطلبة في أي ركن آخر من كان المغرب متحدرين من المناطق الداخلية لللبلد, لأبدت قوات الأمن كل حزمها المعروف, ولتدربت بالفعل في الشباب الذين أرادوا أن يلعبوا لعبة "فلسطين وإسرائيل" في قلب العاصمة الرباط.

لكن وبما أن الأمر يتعلق بطلبة يتحدرون من منطقة "عزيزة على قلوبنا" مثلما يقول الإعلام الرسمي, "متوترة للغاية وذات وضع حساس" مثلما يقول الواقع, أو "بمواطنين فايف ستارز" مثلما يقولون عن أنفسهم فإن قوات الرباط بقيادة ركراكة ترددت طويلا قبل أن تفهم أن ماوقع هو احتلال لمساكن جامعية, وهو ترويع لطلبة آمنين, وهو انتقام غابوي قد يوجد له مكان في مخيمات الحمادة أو تندوف أو غيرها من مواقع التشتت المسمى "بوليساريو" لكن بالتأكيد لا مكان له في دولة منظمة تعيش في ظل قانون تسمى المغرب.

هذا الكلام ينبغي أن يقال وإن أغضب من أغضب, لأننا نرى فيما وقع في العرفان الجمعة المقدمة لكثير الكوارث التي يتقن بعض الإخوة القادمين من هناك إشعالها, والجلوس على تلها بعد الخراب. ونعترف لهم هنا _ باسمنا الشخصي لا باسم آخر _ أننا مستعدون _ كشعب وليس كدولة _ للدخول معهم في هذا الصراع حول الأمن العام في الشارع المغربي, لأنه المكتسب الوحيد الذي لازال المغربي محتفظا به في ظل خيباته الكثيرة في عديد الميادين.
حتى المظاهرات المطالبة بالإصلاح والتي خرجت في ظل جو متوتر للغاية في العالم العربي, خرجت في هذا البلد تحمل شعار "سلمية", بل سمعنا شيوخا كنا نعتبرهم متطرفين في ’رائهم وأفكارهم وهم يحذرون من العنف, ويطالبون الشباب بالإبقاء على الطابع السلمي لمظاهراتهم ومطالبهم مااسيعطيها القوة اللازمة والدفق المعنوي الحقيقي لكي تصل إلى كل الشعب, وتتحول إلى قوة مطلبية فعلية لا عداوة بينها وبين شعب خربت له محل سكناه أو أحرقت له سيارته, أو اعتدت على ابنته في واضحة النهار داخل الحي الجامعي.

لقد سبق وكتبنا قبل هذا الوقت بكثير عن "الضسارة" التي صنعتها سياسة البصري في وقت سابق في المناطق الجنوبية, وكتبنا عن جريمة تسمى "أشبال الحن الثاني" وهي التي تتعلق بشبان صحراويين تم إدماجهم دون غيرهم من شباب المغرب في وظائف عمومية دون أن يستحقونها, ودون أن يشغلوا بالهم يوما _ بالنسبة لأغلبيتهم _ باحترام عملهم أو أوقات حضورهم أو غيابهم _ معتمدين على منطق "المخزن باغي يسكتنا حيت حنا من الصحرا". وقلنا حينها إنه منطق أعرج يزرع الفتنة في البلد ويجعلني أنا القادم من هنا مع الآخر القادم من هناك مضطرين لكي نعلن عن رغبتنا في الانفصال لكي نحظى ببعض الامتيازات في وطننا وهذا أمر يسمى ابتزاز بلد بأكمله.

وقد حان الوقت اليوم مع ماتجدد من أحداث العرفان الجمعة, ومع غيرها من أحداث الشغب التي تحدث باستمرار في العيون (آخرها بعد لقاء مدريد وبرشلونة الأربعاء دون أي مبرر) أن تستعيد الدولة بعض هيبتها المفقودة في تدبير هذا الملف أو أن يستعيد الشعب في كل المناطق المغربية الروح التي يتحرك بها بعض الشباب الصحراوي لكي نفرض فوضانا الكاملة في المغرب كله, إذ لا معنى لهذا الكيل بمكيالين على الإطلاق.

وبالنسبة لشباب المناطق الصحراوية من المؤمنين بالانفصال وهذا حقهم الذي لا ينازعهم فيه أحد, تماما مثلما لاينازعني أحد حقي بأن أكون ضدهم, عليهم أن يفهموا شيئا واحدا: مطالب الانفصال في ربيع الديمقراطية العربي أصبحت غير طات موضوع. العالم العربي المريض اليوم يريد مداواة جراح الديكتاتورية التي يحيا فيها منذ العقود السابقة, وإذا كنتم تعتبرون أنفسكم خارج السياق, وتعتبرون أنه يحق لكم الإبقاء على القيادة الذيكتاتورية المتنفذة التي قادت الجبهة منذ إنشائها إلى  الآن إلى كل أنواع الدمار, فهذا شأنكم.

حافظوا أنتم على روح الديكتاتورية التي تحكمكم. من جهتنا نحن أقسما أن لا نولي الوجه عن الحرية التي تنادينا. و"دبرو ريوسكم" في الختام.