حميد زيد ـ كود//

هناك من يطالب بإخراجي من كود.

هناك من يتساءل ماذا أفعل في هذا الموقع الإلكتروني.

هناك من يريد أن يخلّصني.

هنا من يدعو إلى تحريري.

هناك من يفكر في نقلي إلى مكان آمن.

هناك من يريد إنقاذي.

هناك من يتضامن معي ويدعمني.

وأقول لكم شكرا.

لكني لن أغادر موقعي و أرضي.

ولن أفرط فيها.

ولن أترك آلاف المقالات التي كتبتها لغيري.

ولن أتخلى عن بنات أفكاري.

ولن أذهب إلى مكان آخر.

أنا ابن كود.

وفيها ولدت وفيها أموت.

وكل خطأ فيها لي.

وكل ركن في كود لي فيه قصة.

وكل زاوية.

ولن أفرط في تاريخي.

وقصصي.

وفي بيتي.

وأصدقائي.

ولن أهاجر.

ولن ألجأ إلى أي منبر آخر.

أنا من الداخل. وسأظل صحافيا من داخل كود.

أنا من عرب 2011 في كود.

ولن أبيع ما لي فيها.

ولن أفرط في شبر واحد منها.

ولي في كود تجارب كثيرة.

وليها فيها إرثي.

ولي فيها ماضي وحاضري ومستقبلي.

ولي فيها حقل زرعته بيدي.

ولي فيها أشجار سقيتها بماء كود العكر.

وقد سافرت. أنا واسماعيل بلا وعلي وعز الدين الهادف.  ذات يوم من أيام 2011. من الرباط إلى الدار البيضاء.

لنؤسس هذا الموقع في مقر جريدة أخبار اليوم. بدعوة من أحمد نجيم.

وقد ظنناه يمزح.

ولم نصدق أن الأمر جدي.

وكان هدفنا الأول أن يستضيفنا ويكرمنا ويسقينا ويولم لنا أحمد نجيم.

كما تعود دائما أن يفعل.

ولم نكن نتوقع أن يظهر موقع كود في الغد. على الشاشة. بلونه الأحمر الفاقع.

وبدارجته.

وبمتابعة أحمد نجيم للبنات في حركة 20 فبراير.

إلى أن وجدنا أسماءنا ومقالاتنا فيه.

وفي عز الحراك.

وانطلاقا من مقر ليس لنا. ودون علم مالكيه.

ومن هذه النشأة الملتبسة.

ومن خدعة التأسيس.

ومن موقع إلكتروني لا تدري أين يوجد كود. و لا أين مقره.

خرج العجب العجاب.

وخرج خصوم لنا.

وخرج جمهور لنا.

وقراء.

وخرجت هذه الأسطورة الحية الماثلة أمام أعيننا الآن.

وخرجت صفحة في الفيسبوك معظم متابعيها يفهمون ما نكتبه بالمقلوب.

ولا يعول عليهم.

وبعد ذلك بدأت تطفو الخلافات في ما  بيننا على السطح.

ثم أخذ تيار يهيمن على موقع كود. يدافع عن أفكاره بجدية مبالغ فيها.

وبحماس مثير

وبتعصب

جاهلا كل شيء عن عبثية لحظة تأسيس هذا الموقع.

التي لا يعرفها إلا المؤسسون الأوائل.

ولذلك لن أتنازل عن ركن من هذا الموقع.

ولن أغادره إلى أي مكان.

فأنا أعيش فيه كأقلية.

وفرد.

وأستيقظ فيه متأخرا من النوم.

كما أني ترهبني الجموع. و الشعوب.

وترهبني اللغة.

والبيان.

والبلاغة.

والاصطفافات.

ويرهبني اليقين.

والشعارات التي ترفعها الصحافة الأخرى.

والجدية المبالغ فيها.

ولا من يضمن لي أن أبقى أقلية إلا موقع كود.

ولا من يضمن لي أن أكتب بلغتي العارية والمتقشفة إلا كود.

ولا من يضمن أن أرجع كل مرة إلى السطر.

دون أن يفرض علي أحد الاستمرار.

والفاصلة.

بينما أنا أرفض أي علامة ترقيم في طريقي.

باستثناء النقطة.

وقد جربت العيش خارج كود لسنوات طويلة.

وفي كل مكان كان يتم التخلص مني.

وفي كل مكان كان يتم دفعي إلى المغادرة.

وفي كل مكان كنت أحس أني مختنق وغير مرغوب في.

وفي كل مكان كان يفرض علي أن أنضبط للخط التحريري.

بينما من طبعي أني غير منضبط.

ويناسبني لا خط كود التحريري.

وأعيش في الضد.

وفي الاستفزاز.

وفي الحرية.

ولم أشعر أني حر إلا في كود.

و لم يتحملني أحد إلا هذا الموقع.

وعلى مضض أحيانا.

لكنه ظل يتحملني على أي حال.

وظل صابرا كل هذا الوقت.

وظل صوتي فيه مسموعا مهما كتبت ومهما قلت.

ظل يخجل من أن يمارس علي أي رقابة.

ظل يحرجني بذلك.

ويحدث أحيانا أن يتم عزلي وتهميشي في ركني الذي أشغله.

ويحدث أن أذوب في كود. وأختفي.

ولا يظهر لي رأي. ولا أثر. ولا وجود. ولا موقف. وسط الكثرة. والإنزالات  الكثيرة.

فأشك في كود

وتنتابني الوساوس.

لكنها سرعان ما تتبدد.

ويحدث أن تتم محاصرتي.

وأن تهاجمني رشقة آراء عدوة من داخل موقع كود.

ويحدث أن أشعر بأني وحيد.

ولا أهل لي.

ومتخلى  عني. ومنبوذ.

وأني عبء على هذا الموقع.

وفي كل مرة يحدث هذا أرفع صوتي عاليا.

وأصرخ.

وأقلب الموقع.

وأثور.

وأنفعل.

وبكلمات غير مفهومة ومبهمة ومبعثرة  من أحمد نجيم أقتنع بكل ما لم أفهمه من كلامه.

وأرضخ له مستسلما لقدري.

متظاهرا بأني استوعبت موقفه.

بينما أنا في الحقيقة لم أستوعب أي شيء.

وأي تراجع لي.

وأي اتفاق يتم بيني وبين مدير الموقع يكون نتيجة غياب التواصل. وغياب الفهم.

لكن تخيلوا كيف كان سيكون وضعي في مكان آخر.

وفي مواقع الدولة.

وفي مواقع معارضيها. وفي مواقع المقاومة. وفي مواقع المتأسرلين.

وفي مواقع اليمين. وفي مواقع اليسار. وفي مواقع الإسلاميين. الذين لا يقبلون سوى الرأي الواحد.

كانوا جميعا سيتخلصون مني في أول فرصة.

لأني غير منضبط.

ولأني غير ملتزم بأوقات العمل.

بينما لا يوجد وقت في كود.

وقد كانوا لا محالة سيشكون في ويتهمونني بالعمالة والخيانة.

ولأني لا أحترم أي قاعدة من قواعد الصحافة.

ولأن مزاجي متقلب.

كان سيفرضون علي أن أكون إسلاميا ويساريا دائما.

كان سيفرضون علي أن أكون في صف الدولة دائما.

كان سيفرضون علي أن أكون مهنيا.

بينما أنا لستُ.

أنا تارة مع وطورا ضد.

ولا أثبت.

وبمكالمة واحدة.

وبتدخل.

وبغضبة.

كان يمكن أن أجدني في الخارج.

بينما في كود بمقدوري أن أتشاجر مع المدير.

وأن أتهمه بما لا يخطر على بال.

كما يمكنني أن أحاربه.

وأقاوم موجة التأسرل . وأعارضها.

وأهاجم اليمين المتطرف الأمازيغي الذي يخترق الموقع.

وأفضح وثوقية اليسار.

دون أن أتعرض لأي مضايقة.

وأنا متأكد أن هذا الوضع غير متوفر في أي مكان آخر.

وليست كود هي الجنة.

لكني أضمن فيها ذلك الحد الأدنى من الحرية. التي أنا متأكد بحكم التجربة. أن لا أحد بمستطاعه أن يضمنه لي.

لأن في كل مكان هناك مؤسسة.

بينما ما يميز كود هو غياب المؤسسة.

وهو هذه الفوضوية غير المخطط لها.

والتي أنتجت هذه التجربة الصحفية.

الفريدة.

والعجيبة.

والمثيرة للاستغراب. والدهشة.

و لذلك فإن كل من يسألني ماذا تفعل في كود.

أقول له إنه لا مكان لي في أي موقع آخر.

ولا أحد يقدر أن يتحملني كل هذه المدة بكل نزقي. وبكل كسلي.

وقد تعرفت في كود على بعض المتأسرلين.

وللأمانة فهم لطفاء جدا وودودون.

ويشبهوننا كثيرا.

ويتألمون مثلنا.

ويضحكون.

ويخطئون.

وبعضهم أكثر إنسانية وصدقا من كثير من الذين يدعون النضال.

ومن كثير من النصابين.

وقد ظلت الأمور تجري في كود بكل فوضاها وعبثيتها.

إلى غاية يوم أمس

حين قامت جهة ما باختراق الموقع

مسربة مقالا لي. لم يكن موجها للعموم.

وإنما عبارة عن مراسلة داخلية. تتعلق بخلاف وقع بين طاقم الموقع.

ليتداوله عدد كبير من القراء في الفيسبوك

وليلاحقهم مدير الموقع في كل مكان مطالبا بحقوقه

وبمقاله

في مشهد سريالي

يتحدث فيه الناس عن إيران وإسرائيل والحرب والصواريخ والمغرب

بينما مدير كود

يريد استرجاع مقاله فقط

ويندد بمن نسخه. ومن روجه. ومن قام بمشاركته.

ومن لم ينسبه إلى الموقع

لتتسع رقعة الحرب في الشرق الأوسط

بدخول أطراف مغربية على الخط

في مواجهة

بين قوى الممانعة التي تضم تحالف الإسلاميين واليساريين

وبين أحمد نجيم

الذي كان يريد استرجاع مقالي فقط ولا يطالب بأكثر من ذلك.

وكلما طالب به

كانت جبهات الإسناد تهربه

وتنشره في كل مكان

في معركة طاحنة استمرت الليل كله

إلى الصباح.

مؤكدة بذلك كل التوقعات التي كانت تحذر من

مخاطر حرب شاملة. لن ينجو من نيرانها  أحد في العالم.

وكل صاروخ فرط صوتي ينطلق من منصة في طهران

ويسقط على تل أبيب

فإنه شظاياه ستصيبنا في كود

وكل اعتداء إسرائيلي على إيران

فإنه لن يزيد إلا من اتساع رقعة المواجهة

ومن سرعة تدحرج كرة اللهب

التي ستأتي على الأخضر واليابس

وعلى كل المواقع

وعلى كل الجرائد

وعلى كل الناس

وعلى كل الحضارة الإنسانية

بسبب كل هذا الدعم الأمريكي والغربي

لدولة صغيرة

تريد أن تقتل كل جيرانها دون أن يعارضها

أو يقاومها أحد.