حميد زيد – كود//
إذا كان للبابليين برجهم. ولهم نبوخذ نصر. و لهم الإله مردوخ.
فلنا نحن في سلا “فيلا السبوعة”.
وقد كانت هي الأخرى على شكل برج. وكان مالكها يريد أن يصل بها إلى السماء. تماما كما في القصة التوراتية.
وفي كل مرة كان يضيف إليها حجرة.
ولبنة.
ويزيد أسدا.
ونسرا.
وحصانا.
إلى أن صار السلاويون يتبركون بها. ويعتبرونها معلمة لمدينتهم. ويلتقطون الصور أمامها.
ومع الوقت.
ومع التطاول في البنيان.
تعودنا على هذه البناية النشاز. وصرنا نعتبرها رمزا للمدينة.
وقد كانت أصنامها. وآلهتها. شاهدة على كل ما يحدث في حي اشماعو.
وكانت الأسود ترى المنتحرين الذين يرتمون في البحر.
وكانت ترى الغرقى الذي يسقطون من الحافة الخطرة. نتيجة عدم وجود حاجز.
وهو غير متوفر إلى اليوم.
و كانت تلك النسور المعلقة ترى العشاق.
وترى قناني البيرة في الليل.
وترى كؤوس النبيذ.
وترى بارا مفتوحا على السماء.
وترى اللصوص وقطاع الطرق قبل أن يتحسن الوضع الأمني.
وكانت مثل الآلهة شاهدة على فساد الإنسان في هذه المدينة.
وشاهدة على “فساد الأمكنة” و “فساد العمران”.
وقد جئت إلى سلا قبل 17 من الآن. و وجدت هذه الفيلا. بأسودهها. وبحيواناتها. وبحجرها. وبتطاولها.
ومنذ عقدين من الزمن أو أكثر والسلطات توقر هذه البناية.
كأنها معبد بوذي. أو هندوسي.
ولا يسألها أحد عن رخصة بناء.
ولا يأتيها مقدم.
ولا يشترط عليها أحد الالتزام بالتناغم الجمالي للمشهد الحضري.
كما لو أن السلطة كانت تخشى أن تصيبها لعنة الآلهة.
وكما لو أن التسامح بلغ بالسلطات مبلغا جعلها تعترف بديانة الفوضى.
و بأوثانها.
ومعبدها.
و بسبب غياب أي شيء جميل في سلا.
وبسبب القبح المتفشي.
فقد تبناها السلاويون. واعتبروها تراثا لهم.
واعتبروها فنا.
واعتبروها جمالا. وتحفة. ومعلمة حضارية.
بينما هي تجسد في الحقيقة الفساد وغياب القانون.
وانعدام الذوق.
و أنه يمكنه أن ترتكب أي شيء في سلا
و تبني أي شيء.
دون أن يوقفك أحد.
والنتيجة هي هذه المدينة العجيبة التي من المستحيل اليوم تغييرها إلى الأفضل.
إلا بقصفها.
وإعادة بنائها من جديد.
وربما لهذا السبب كانت تصور فيها الأفلام الأمريكية.
لأنها توفر لأي مخرج ديكور حرب طبيعي.
وفيها دمار لا يصدق.
وفيها خراب عمران حقيقي.
وبؤس لا رتوش فيه.
وفيها قندهار وغزة والرقة والعراق بعد سقوط صدام.
وفيها ما يشبه تماثيل بوذا في باميان الأفغانية والتي دمرتها حركة طالبان.
وفيها مارينا.
وفيها شيري شيري. ورويال دونات.
وفيها اللون الوردي. والذوق الخليجي. والبلينغ بلينغ.
وفيها فندق ضخم يطل على شاطىء سلا وعلى أبي رقراق ويمنع علينا ركن السيارات بالقرب منه.
كأننا مواطنون من الدرجة الثالثة.
وفي سلا كل التناقضات.
وكل شيء فيها شاهد على الأخطاء المرتكبة في الماضي.
وعلى فساد الماضي.
وعلى الترييف الممنهج.
وعلى بناء أحياء بكاملها بناء عشوائيا.
لنحصل في النهاية على هذه المدينة الخطأ.
ولذلك
وحين شرعت السلطات يوم أمس في هدم الأسود
وحين سقطت أوثان المدينة
تأثرنا كثيرا
وأصابتنا صدمة كبيرة
وشعرنا بأن تلك الآلهة التي كانت تحرسنا
تخلت عنا
وأن القادم أسوأ
وأن غضب الآلهة قادم لاريب فيه
ولن ينقذنا
سوى الطواف بالسوپير
معبدنا الثاني في سلا
الذي لن يستطيعوا هدمه
لأن للسوپير رب يحميه.