لماذا؟ أي سبب يجعل الدفق الشعبي الذي حرك هذه الحركة وأعطاها قوتها الأولى يتراجع بهذا الشكل الواضح للعيان؟ للسؤال إجابات عديدة أغلبها تقريبي يقرأ ماوقع منذ أول مسيرة بعين موضوعية, ويحاول فهم الأسباب التي أدت إلى نقص التعبئة والحماس الذي خلق الروح التي سارت بها مسيرة البيضاء, وأتصور أنها سرت على بقية مسيرات المغرب الأحد الفارط اعتمادا على مااستقيناه من أخبار من مراسلينا ومن مواطنين في المدن المغربية المختلفة.
أول سبب وأهم سبب لتراجع الإقبال على مظاهرات العشرين من فبراير هي الخطوة الأخيرة بإطلاق سراح 190 معتقلا سياسيا في قضايا مختلفة. الخطوة سحبت البساط فعلا من تحت أقدام الشعار الأساسي الذي كان سيرفع في الرابع والعشرين من أبريل, أي شعار "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين". في لعبة اليد الحديدة هاته يمكننا أن نقول إن الخطوة كانت فعلا قاصمة لحركة, واستقبت الشعار بتنفيذه وتطبيق مطلبه ماجعل الكثيرين يؤمنون بأن ثمة أشياء تتجاوز المناورة السياسية البسيطة التي تحدث عنها البعض بعد خطاب 9 مارس لكي ندخل مرحلة إصلاح كثير من الأخطاء.
في هذه النقطة لا يهمنا بالتحديد من فاز ومن انهزم أو ما تأثير القرار على المسيرة, أو مامدى تضرر المسيرة من القرار. الذي يهمنا أكثر هو أننا نتلمس اليوم بداية طريق لإصلاح الكثير من عثرات الماضي القريب, وأن هناك تواصلا افتقدناه لسنوات بين الشعب وبين الدولة, نمكنت الحركة من إعادة الدفء إليه. الأهم هو أن أفرادا من شعبنا يقال إنهم ظلموا في محاكمات معدة على عجل ووفق ملفات غير موثوق فيها تماما, استعادوا حريتهم أخيرا, وهذه وحدها لاتقدر بثمن. البقية تفاصيل لاتهم بالفعل.
ثاني أسباب تراجع الإقبال على حركة 20 فبراير في نظرنا يعود إلى تعدد آباء هذه الحركة بشكل يكاد يصبح مشوها في لحظة من اللحظات. الإحساس السائد لدى الشارع المغربي هو أن الصغار الذين يتصدرون واجهة الحركة لن يستطيعوا أبدا حمايتها من الحيتان الكبيرة التي تترصد بها, والتي تتصيد فقط فرصة إلقاء القبض عليها. الحديث _ لكي نكون واضحين كالعادة _ هنا عن جماعة "العدل والإحسان" التي ترسخ في أذهان الشعب البسيط العادي أنها هي التي تحرك المسيرات التي تقع كل أحد في البلد, وأنها هي التي تضغط من أجل إبقاء الحركة متقدة في الشارع خدمة لأجندتها الخاصة.
علينا هنا أن نقول إن كثيرا من الظواهر تقول فعلا هذا الأمر, ومع إلحاج شباب الحركة على البقاء دون انتماء سياسي ضيق معلن, ومع معركتهم الدائمة لكي تبقى الحركة حركة الشعب المغربي, لا حركة فصيل واحد من الفصائل, إلا أن الصورة التي تصل إلى الناس ختاما تنقل لنا مشهد عدليين يتحكمون في الحركة تنظيما وتأطيرا وشعارات, وأمازيغيين يحرصون كل مرة على التميز بأعلامهم, ويرفضون التقيد بشعارات موحدة مع الحركة, بالإضافة إلى التمظهرات الأخرى المختلفة لكل ألوان الطيف السياسي المتطرف في بلدنا من أقصى اليسار الذي وجد في الحركة فرصة العودة إلى حياة كان يعتقد أنه فارقها, إلى أقصى اليمين من خلال الشعارات التي رفعت في مراكش الأحد مثلا والتي اختزلت مطالب الشعب المغربي في إعادة فتح "دور القرآن" لا أقل ولا أكثر.
ثالث الأسباب وأهمها هو الصراع الضاري بين مكونات هذه الحركة الذي بدأ يخرج إلى السطح. عدم الاتفاق على سقف محدد للمطالب أضحى اليوم عائقا فعليا أمام الحركة يهددها بواحد من خيارين أحلاهما مر مثلما يقال في المأثور: الخيار الأول هو البقاء هكذا إلى حين الفناء والتحلل طبيعيا مع مرور الوقت, والثاني هو التطرف في رفع سقف المطالب إلى حد الوصول إلى المواجهة المباشرة والصريحة مع النظام دون اختفاء خلف الشعارات التي يعرف العديدون أن الكثير منها كاذب ويلعب لعبة السياسة لا غير.
في الحالتين وقبل أن تصل 20 فبراير إلى مفترق الطرق القاتل _لها وللبلد ككل _ على المتعاطفين معها, لاقادتها أو من يقدمون أنفسهم باعتبارهم قادتها, أن يتحلوا بقدر أكبر من الوضوح مع الناس لكي يعرف المغاربة أي اختيار يمنحه هؤلاء لهم بعيدا عن رفع شعار الحرية الكبير الذي يعد مطلب المغاربة بدون استثناء.
سألني مواطن بسيط يوم السبت "فين غاديين هاد خياتي؟ ياك راه تيصلح ليهم البلاد. شنو بغاو؟" أتصور أن هذا السؤال بكل صراحة هو السؤال المطروح اليوم على 20 فبراير بكل وضوح.