حنان رحاب ـ المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي//

في سياق النقاش السياسي الذي تشهده الساحة المغربية، أثارت تصريحات محمد أوجار، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، موجة من الجدل والانتقادات.

حيث استغرب أوجار تعيين شخصيات محسوبة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أو بمرجعيات يسارية عامة في مؤسسات دستورية كبرى، مشيرًا بشكل ضمني إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسات أخرى.

هذا التصريح الذي يبدو في ظاهره استفسارًا، حمل تلميحات ضمنية تتنافى مع طبيعة النظام الدستوري المغربي، الذي يعتمد توازنًا خلاقًا بين الشرعية الملكية والشرعية الانتخابية. فالشرعية الملكية، بأبعادها التاريخية والدينية والسياسية، تؤمّن استمرارية الدولة واستقرارها، فيما تأتي الشرعية الانتخابية لتدبير الشأن الحكومي ضمن دورة زمنية محدودة، وتظل مكملة لا بديلاً للشرعية الملكية.

إن تعيين الشخصيات في المؤسسات الوطنية يدخل ضمن اختصاص الملك الحصري، وهو اختيار يقوم على معايير الكفاءة والمصلحة العامة، وليس الانتماءات الحزبية.

كما أن الملك محمد السادس أكد مرارًا أنه يلتزم بالحياد السياسي، وهو ما تجسد في مواقف عديدة، منها احترامه لنتائج الانتخابات، حتى في الظروف المعقدة مثلما حدث في 2016 عندما تعذر تشكيل الحكومة.

وبالتالي يمكن القول إن تصريحات أوجار، بخصوص تعيين شخصيات اتحادية أو يسارية، تعكس قصورًا في فهم فلسفة التعيينات الملكية، التي لا تهدف إلى تحقيق مكاسب حزبية بل خدمة المصالح العليا للوطن. في حين أن استحضار الانتماء الحزبي في التعيينات يقلل من شأن المؤسسات الوطنية ويختزل دورها في توازنات سياسية ضيقة.

بالمقابل فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يعتبر يومًا أن اختيار الملك لشخصيات منه على رأس مؤسسات كبرى يمثل انحيازًا له، لأن هذا الحزب، شأنه كشأن باقي الأحزاب الوطنية ذات الامتداد الشعبي، يفتخر بإسهاماته في تكوين نخب قادرة على تحمل مسؤوليات وطنية كبرى.

إذا كانت بعض الشخصيات السياسية لا يتم ربطها بأحزابها بعد توليها مناصب عليا، فإن ذلك يعكس طبيعة العلاقة بين الانتماء الحزبي والكفاءة، خاصة داخل أحزاب لا تنبني على إرث نضالي أو امتداد شعبي حقيقي.

وفي هذا السياق، من الجدير التساؤل: لماذا لا يُشار إلى شخصيات من التجمع الوطني للأحرار باعتبارها حزبية عند تعيينها؟

تصريحات أوجار يمكن أن تُفسر كتدخل في اختصاصات الملك، وهو أمر غير لائق بقيادي سياسي يُفترض به احترام المؤسسات والدستور. وإذا كان هناك تحفظ على فلسفة التعيينات الملكية، فإن ذلك يتطلب اقتراح تعديل دستوري صريح، وهو أمر من شأنه أن يفتح نقاشًا حساسًا حول طبيعة النظام السياسي المغربي وتوازنه بين الشرعيتين الملكية والانتخابية.

إن النظام المغربي قائم على توازن دقيق، حيث تظل الشرعية الملكية الضامن الأساسي لاستقرار الدولة ووحدتها. في حين أن الشرعية الانتخابية، رغم أهميتها، لا تحظى بنفس الامتداد الشعبي، بالنظر إلى محدودية عدد الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب.

تصريحات أوجار قد تكون محاولة لتسجيل نقاط سياسية، لكنها تأتي بثمن باهظ يتمثل في إثارة نقاشات غير ضرورية حول صراع مفترض بين الشرعيتين الملكية والانتخابية، كما أن هذا الخطاب يضعف الثقة في المؤسسات ويُبعد المواطنين عن العملية السياسية.

في الختام، يجب القول إن النقد السياسي مطلوب، لكنه يجب أن يكون بناءً وموجهًا لتعزيز الثقة في النظام والمؤسسات، لا إلى التشكيك فيها. المغرب في حاجة إلى خطاب سياسي راقٍ يعزز اللحمة الوطنية ويحترم ثوابت الدستور.