هشام اعناجي ـ كود الصويرة//

في الصويرة وحدها، تجتمع كل المتناقضات في مهرجان أصبح “موسما” صوفيا للباحثين عن “لذة” أو “هيت” لطرد لعنة “الرتابة” اليومية التي يعيشها معظم المغاربة بين العمل والمنزل وأداء الواجبات الدراسية والمهنية.

بالنسبة للكثيرين، لا تهمهم العروض الموسيقية التي تزخر بها منصات “برج مراكش”، مولاي الحسن والشاطئ، بل تمت “مهرجانات” أخرى في الهوامش يختلط فيها صوت الآذان مع الموسيقى والقطط الجميلة المنتشرة في كل الأزقة.

بار الحفرة.. تعايش مع الجامع

في الصويرة، يلتصق “البار” مع “الجامع” القريب من حي الملاح اليهودي، في مشهد يعكس قمة التسامح والعيش المشترك.

ويعكس بار “الحفرة”، الذي يعد أقدم تحفة فنية داخل “موكادور”، هذا التعايش المشترك، حيث يجتمع عشاق البيرة في هذا المكان في الساعات المبكرة من الصباح دون ضجيج يذكر وحتى إن كان بعض الغناء والصخب فإن أسوار “البار” القديمة والتي يعود بناؤها لقرون كثيرة تمنع تسرب الضجيج إلى المسجد الملتصق به والعكس صحيح.

يجلس عدد من الصحافيين في هذا “البار” الذي يقدم مشروبات بأثمنة مناسبة، يناقشون كل القضايا، منهم من يدعي معرفته بفنون “كناواة” ومنهم من يحكي كعادته تجارب الماضي وينتصر لذاته.

المدعون الجدد، لا يضيعون أي فرصة لإظهار تمكنهم ومعرفتهم الدقيق بجل الفنون والعلوم والفقه والسياسة وصداقتهم مع رجال الدولة، موجودين كذلك في الصويرة يدعون قربهم من “المعلم” فلان ومعرفتهم للمتحكمين الحقيقيين في المهرجان.

يدعي هؤلاء المدعين في “البار” وفي السهرات وفي الأزقة، قربهم من السلطة ورجال المال وامتلاك “الحقائق” التي قد تؤثر في مسار المهرجان ككل.

كما يجلس في هذه الحانة، شباب “الراسطا” الذين يستغلون فرصة الأثمنة المناسبة لملء “الصاكادو” ببعض البيرات ليتم استهلاكها ليلا في سهرات المهرجان أمام الملأ.

ويصف أحدهم الحانة باختصار شديد:”لم يزر الحفرة بالصويرة لا مهرجان له”.

بزار و”هداوا” وصوت عواء.. سيمفونية موكادور

“هداواة” أو صحاب الراسطا يملؤون كل مكان، “هيت” أو عالم آخور، “ممسوقينش” يلبسون أقمشة ملونة ويدخنون الحشيش أمام الملأ، تلك حياة يبتغيها كل باحث عن لذة “عميقة” في مغرب لم يستطيع بعد التحرر من قوانين رجعية يدخل فيه مدخني الحشيش السجن.

“الراسطا” تتناسب مع “بزار” المدينة المتنوع وأصوات الطائر “عواء”، وكأنها سيمفونية محلية صنعت بالصويرة اختلطت فيها ألوان “التمرد” مع الموسيقى والحب، سيمفونية تنتهي بـ”جدبة” أحدهم نيابة عن الكل.

عشق أبدي لمدينة الصويرة، هكذا ترى فدوى القادمة من مدينة فاس “هيت” موكادور، فهي تقول في حديث مع “كود” بأن ما يوجد في الصويرة لا يوجد بمدن أخرى، الأمر لا يتعلق فقط بالموسيقى، بل بكل التفاصيل والألوان، وأحيان بالقطط التي نلتقي بها.

ترى فدوى التي التقت بأصدقائها “الهداوا” (صحاب الراسطاج)، بأن “الحيحة” في السهرات لا تكتمل بدون نترات من “الحشيس”.

زيرو “شناقة”.. كلشي رخيص ومناسب

احتفظ تجار الصويرة بأخلاق السوق، لا زيادات تذكر في أثمنة “السوندويش” و”الكريب”، وهي المأكولات الأكثر مبيعا في أزقة الصويرة.

“كود” تجولت في أغلب الأزقة، كل المحلات والمطاعم تقدم وجبات بأثمنة مناسبة وهو ما جعل الإقبال عليها كبيرا، بحيث تبدأ هذه المطاعم الافتتاح باكرا ولا تغلق الأبواب إلى بحلول الثانية صباحا.

بين 20 و40 درهم، يمكن لأي زائر أن يقتني وجبة غداء مكتملة، وهو نفس الشيء بالنسبة لوجبة الفطور التي يمكن تناولها بأقل من 10 دراهم.

فدوى وهند.. لحرية في كل شيء بهذه المدينة

الطريق إلى الصويرة بالنسبة للشابتين هند وفدوى، هو الطريق نحو التحرر والعيش في سلام وأمان، كان الوصول بالنسبة لهاتين الفتاتين إلى مدينة موكادور صعبا.

فدوى وهند من الشباب المتمرد اللي مع الحريات الفردية وإلغاء الفصول الرجعية، اختارو يعيشو لحظات زوينة فالمهرجان بلباس حضاري متميز والتصالح مع الذات، ها لي كيرقص ها لي كيكمي جوانات ها لي جاب قريعات ينشط بهم، هادو منهم لي ودعو الصويرة بالبكاء، بحال الشابة فدوى لي جات عن طريق أوطو سطوب باش تعيش لحظات الهيت الصويرة.

هاد جوج بغاو يديرو “التريب” وينصبو الخيمة فبلاصة فالصويرة، لكن السلطات منعت “التخيام”، وهادشي خلاهم قبل ما يبدا المهرجان، أي يوم الأربعاء يقلبو على غرفة الكراء.

“الكراء غالي بزاف” تقول فدوى لـ”كود”، لكن “ميمكنش نخلي الأجواء ونرجع لذلك كريت أنا وصاحبتي وصحابي تاهوما قلبو فين يكريو وكنتلاقاو بالليل”.

بالنسبة لفدوى وصديقتها، فقد كانت ليلة الختام الأفضل، ماشي حيث فـ”لاسين” بل حيث بقاو تا للسادسة صباحا سهرانين فمقهى “لاماما”.

كافي “لاماما” بالنسبة ليها هو هيت النهاية، رقص وارتجالية وتدخين “جوانات” وقليل  من “الفودكا” جعل الكل يعانق “تصواريت” يسافر بعيدا عن ضغط “الروتين” اليومي. أجانب ومغاربة معا احتفلوا وسط لاماما بعيدا عن المهرجان الرسمي.

300  ألف زائر.. متعة وارتجالية

كشف بلاغ رسمي بأن الدورة الـ24 لـ”مهرجان كناوة وموسيقى العالم” بالصويرة اختتمت في أجواء شعبية احتفالية غير مسبوقة؛ مما يكرس الطابع العالمي لهذا الملتقى الفريد والأخوي، الذي استقبل، على مدى ثلاثة أيام، حوالي 300 ألف زائر.

العريض الذي قدم من شتى أصقاع العالم، مشيرا إلى أن الجماهير المبتهجة عبرت، في أجواء احتفالية، بصوت عال، عن سعادتها بالاستمتاع بفعاليات المهرجان في صيغته الأصلية.

وأوضح البلاغ  أن نحو 300 ألف من رواد المهرجان تجولوا بين ساحة مولاي الحسن، وساحة الشاطئ، وبرج باب مراكش، وغيرها من الأماكن الاستثنائية؛ مثل دار الصويري، وبيت الذاكرة، والزاوية العيساوية، لقضاء لحظات رائعة وفريدة من نوعها، مضيفا أن الجمهور استمتع أيضا، بتمديد الأجواء الاحتفالية إلى أزقة المدينة العتيقة، وبين أسوارها، وفي ساحات المدينة، على إيقاعات موسيقية مرتجلة ومتنوعة.

وتابع البلاغ أن هذه الدورة كانت استثنائية أيضا، ببرمجتها المتنوعة، تحت شعار المشاركة والابتهاج والمشاطرة، لافتا إلى أنه، على مدى ثلاثة أيام، قدم أكثر من 35 من “المعلمين” الكناويين لحظات خالدة ورائعة سافرت بالحضور بين خليط جريء من الإيقاعات وموسيقى “كناوة” الأصيلة.

تسورت.. تاريخ بروح معاصرة

رغم أن تأسيس مدينة الصويرة أو «السّويرة» (تصغير للسور) يعود إلى عام 1760م، فإن تاريخها يعود إلى عهد الفنيقيين الذين بسطوا نفوذهم على البلاد خلال القرن 12 قبل الميلاد لأهداف تجارية، ومن ثم فإن الاسم القديم للمدينة «موغادور» مستقى من الاسم الفنيقي «ميكدول» الذي يعني «الحصن الصغير»، مثلما يورد موقع وزارة الثقافة المغربية نقلا عن مؤرخين عرب وأجانب.

هذا التعريف الرسمي، يوحي بأن المدينة قلعة متينة في كل شيء، في عشق الحرية، في التمسك بروح المبادئ الكونية، في فك قيود العبودية.

https://fb.watch/lpeDLMOshX/?mibextid=cr9u03