حميد زيد – كود//
نعيش الآن في زمنين. وفي مغربين. وفي ساعتين.
وفي نفس الأرض. وفي نفس البلاد. وفي نفس الدولة. هناك ديكلاج في التوقيت.
وهناك مغاربة يعيشون حسب توقيت غرينتش.
ومغاربة يعيشون حسب توقيت غرينتش زائد ساعة.
ومغاربة يعيشون في القرون الوسطى.
ومغاربة في زمن الإسلام الأول.
ومغاربة في الجاهلية.
ومغاربة حسب الساعة التركية.
ومغاربة حسب الساعة الفرنسية.
ومغاربة لا وقت لهم. ولا تعنيهم قضية الوقت هذه بالمرة. ولا فرق عندهم بين ساعة وأخرى.
ولا فرق بالنسبة إليهم بين الليل والنهار.
وأعرف مغاربة لم يسبق لهم أن رأوا الساعة السابعة أو الثامنة صباحا.
وقد عشت معهم لسنوات. وكنت منهم.
والصباح عندهم عموما غير موجود. ويستيقظون بعد الزوال. ويتناولون إفطارهم في العصر. ويتغدون في العشاء. ولا يتعشون لأن الوقت يداهمهم.
لذلك. فقضية الوقت هذه شائكة. ولا يمكن اتخاذ موقف ثابت بصددها.
إنها قضية مصالح. وقضية نوم. وقضية أطفال. وقضية ظلام. وقضية مواءمة الساعة مع توقيت خروج اللصوص إلى عملهم.
أما الصراع القائم حاليا. فلم يعد صراع طبقات. بل هو صراع حول الوقت.
وليس غريبا أن ينتفض الشعب. ويهب هذه الهبة.
والسبب هو أن الشعب يعيش زمنه الخاص البيولوجي. والاقتصاد المرتبط يسبقه بساعة.
واقتصادنا كما هو معروف مرتبط بأوربا وفرنسا خاصة. لأسباب تاريخية ومصلحية.
ولا يمكنه. وبمجرد رغبة. وميول. وهوى في النفس. وإيديولوجية. أن يصبح تركيا. أو أمريكيا. أو سنغافوريا.
لكن ما الحل. وما العمل.
بعد أن قررت الحكومة أن تحتفظ بتوقيت غرينتش بالنسبة إلى القطاع العام والمدارس.
وتزيد ساعة في القطاع الخاص.
وقد داهم الوقت الحكومة ولم تفكر في حلول ترضي الجميع.
حيث أنه وفي الأسرة الواحدة تتعايش القطاعات. وأعرف أسرا الأب قطاع خاص. والأم قطاع عام. أو العكس.
كما أعرف أسرا الأب قطاع غير مهيكل. والأم شبه عمومي. والأبناء مهجنون.
وأمام ضيق الوقت لم تفكر الحكومة في هذه الحالات.
وفي المجتمع المغربي المركب. وفي المشاكل التي قد تترتب على هذه الساعة.
وقد يقع شجار داخل الأسرة الواحدة. وبين الزوج وزوجته. وقد يتدخل الأولاد. ويصطفون مع أحد الطرفين. مع ما يمكن أن يؤدي إليه الشجار من موت. ومن تقطيع جثث. كما حدث في دول وأسر أخرى قريبة منا.
بينما لا أحد فكر في تقسيم المغرب إلى دولتين بتوقيتين مختلفين.
ودولة قطاع عام.
ودولة قطاع خاص.
والحال أن هذا الوضع هو الموجود عمليا. ولا يحتاح إلا إلى ترسيم. وإلى خروج القانون في الجريدة الرسمية.
وليختر حينها كل مواطن الزمن الذي يريد.
والنوم والاستيقاظ الذي يريد.
والهجرة إلى توقيت الدولة المغربية الذي يناسبه.
أما في ما يتعلق بالأولاد، وبتوقيت ذهابهم وعودتهم من المدرسة.
فحله في نظري سهل.
وعلى كل زوجة وزوجة أن يختارا أولادهم، ويختارا قطاعهم وساعتهم.
وهذا هو ما يسمى في الاقتصاد المعولم بتحديد النسل الوقتي.
وما على الزوجين المنتميين إلى القطاع الخاص إلا أن ينجبا رضيعا من القطاع الخاص.
وما على الزوجين المنتمين إلى القطاع العام إلا أن ينجبا صغيرا قطاعا عاما.
ومع الوقت.
ومع التعود على غرينتش زائد ساعة على طول السنة. سيصبح المغربي يفكر ألف مرة قبل الإقدام على اختيار شريكة حياته.
وسيصبح السؤال الملح في الخطبة من أي قطاع أنت. قبل الجمال. و قبل المهر. وقبل أي شيء آخر.
مع ما سيشكله الزواج المختلط بين القطاعين من مشاكل، ومن حالات طلاق، ومن فشل دراسي، ومن تشرد للأولاد.
فالعالم يتغير بشكل سريع. والتحولات التي كانت تحدث خلال قرون. أصبحت اليوم تحدث خلال ساعة أو ساعتين.
وبعد الأبناء مجهولي الأب. وبعد الأمهات العازبات. سيظهر في المغرب مجهولو القطاع. والضائعون في دوامة الساعة والوقت. وستظهر الأمهات مجهولات القطاع.
ولا أحد سيعترف بهم وبهن.
ويقول اليساري يجب تأميم الساعة. ويرفض تبعيتها.
ويقول الرأسمالي يجب خوصصتها.
بينما الحل والمشكل يكمنان في السرير.
وفي نوع الزيجات. وفي اختيار شريك الحياة.
وفي الحب.
ودور الحكومة هو أن توعي المواطنين. وترشدهم. وتحذرهم من هذا الزواج المختلط.
لكنها للأسف لم تقم بذلك
واكتفت بتنويم القطاع العام. وطبطبت عليه. لإنها تعرف أنه يعشق النعاس والشخير.
تاركة الديكالاج بين المغاربة يفعل فعله.
ويوسع الهوة بين مواطنين من نفس البلد
ومن نفس الأسرة
والنتيجة
هي أنه ولأول مرة في التاريخ يهدد شعب بالخروج إلى الشارع احتجاجا على الوقت.
وبالثورة على الساعة.
وهذا غير مسبوق
ويؤكد أننا استثناء في كل شيء.