حميد زيد – كود//
كان الصحافي في الماضي لا يذهب من تلقاء نفسه إلى مديرية الأمن الوطني.
كان الصحافي في الماضي يخشى. إن هو ذهب إلى البوليس. أن يعتقلوه.
كان يتجنب الأمن قدر المستطاع.
كان يأخذ مسافة من رجال الأمن.
كان حذرا.
كان يرى أن من واجبه المهْني أن لا يقترب من الأمن. ولا يصاحبهم. ولا يلتقط معهم الصور. ولا يكون صديقا لهم.
كان متحفظا.
كان يرى أن دوره يتمثل في مراقبتهم إن هم شطوا.
كان يعتبر نفسه سلطة رابعة.
لكن يبدو أن الوضع تغير كثيرا.
وصار الصحافي الحالي يتشيك . ويتعطر. و يتكستر. ويرتدي أفضل ملابسه. ليذهب إلى حفل الذكرى 68 لتأسيس الأمن الوطني.
وبطيب خاطر.
صار متأكدا أنه بعد الحفل سيعود إلى بيته. وإلى زوجته. وأولاده.
صار مسرورا.
صار متمتعا بالحظوة.
صار يجلس في الصفوف الأمامية.
صار الصحافي في “ضيافة” الأمن. مرحبا به. بعد أن كانت كلمة في ضيافة الأمن تعني التحقيق معه. وحبسه.
صار كأنه في بيته الثاني. ومع عائلته الثانية.
صار يؤدي الواجب.
صار يصفق. ويهنئ. ويبتسم للسلطة.
صار معها على طول الخط.
وحلت محل الاستدعاء دعوة إلى الاحتفال. مكتوبة بحروف مذهبة.
وربما صار الصحافي يخاف أن توجه له دعوة الحضور إلى الحفل. فيتغيب عن الحضور.
صار الصحافي حريصا على أن يلبي الدعوة. و يكون قريبا من الأمن.
صار حريصا على أن لا يتم تأويل غيابه خطأ.
صار سعيدا.
صار لا يجد حرجا في ذلك.
صار مطمئنا. ويسلم على عبد اللطيف الحموشي. ويبتسم في الصورة. ويضعها في الفيسبوك. وفي صفحته. وفي الزجاج الأمامي للسيارة. ومع أوراقه الثبوتية.
صار مقربا من المدير العام للأمن الوطني.
صار صديقا له.
صار مع الأمن في كل ما يقومون به.
صار منهم.
صرنا أسرة واحدة. وفي كل الأسر. لا بد أن تجد ابنا عاقا. و آخر منحرفا. وابنا ثالثا متجهما. لا يحب الاحتفالات. والفرح.
و طبعا هناك صحافيون يرون الصحافة بنظارات الماضي.
ولا يستوعبون ما يقع.
و يتهيبون من أي دعوة تصلهم من مديرية الأمن.
ويعتقدون أنهم سيتعرضون للاعتقال.
لكنهم قلة.
ومع الوقت سيختفون.
ولن يعود هناك فرق بين صحافي ورجل أمن.
ولن يكون هناك شنآن. ولا حيطة. ولا حذر. و لا مراقبة.
وسوف نصبح جميعا سلطة واحدة. في خدمة الوطن.