انتظر الموظفون سنوات ،صاموا وربطوا أحزمتهم،وفي النهاية أفطروا ،لا أقول على ضفدعة بل على فخذ ضفدعة سمينة.ربما هذه الكلمة باللغة العربية لا تسيل لعابكم ،ترجمتها في هذه اللحظة التاريخية والظرفية المتميزة، بلغة موليير أفضــل  :

 les cuisses des grenouilles»»

وهي من الوجبات المفضلة التي تتبارى الفنادق الفخمة و المطاعم العالمية في تقديمها لزبنائها المخلصين.فكيف يكون الحال ، حين تُـقدَّمُ هذه الوجبة بتوابل عجيبة وبنكهة الخمرة البيضاء، ومرة أخرى أظن الترجمة الفرنسية تفي بالغرض أكثر .  أقصد ،وقانا الله سوءه وغيبوبته ، le vin blanc.
لا أقول:(أفطرنا على ضفدعة أو جرانة ) انتقاصاً أو عدمَ رضاً بهذه الزيادة المباركة.لن نكون أفضل من الفرنسيين والأوربيين وكلهم يقبلون على هذه الوجبات،من فخذ الضفادع،بشهية ولهفة.أما أهل الصين والتايلند وبعض شعوب شرق آسيا ،فهم يأكلون كل ما يزحف على الأرض،أو يطير في الهواء،أو يسبح في الماء.وأظن مثل هذا النظام الغذائي،هو نظام واقعي يأخذ بعين الاعتبار ندرة المواد ومصادر الغداء في عالمنا اليوم بشكل كبير.

وسبحان الله ، فإن الضفادع تتواجد في البيئة الطبيعية على صنفين،صنف يسبح في الماء،وصنف يزحف على الأرض،فتأمل معي –وفقك الله وعلى الضفادع أفطرك- ذكاء شعوب شرق آسيا وقدرتهم على التكيف مع جميع الأحوال والظروف.فماذا لو كانت الضفادع تطير أيضا ؟ إن هذا الاحتمال وارد وغير مستبعد بالمرة، فالقدامى كانوا يعتقدون أن الضفادع تتساقط مع الأمطار، وهو نوع من الطيران الشاقولي، ومن حين لآخر نسمع مثل هذه الأخبار.إسألوا محمد البوعناني خبير الأمطار والبحار .والله أعلم.

أكثر من هذا فإن الضفادع كان لها حضور في تاريخنا العربي والإسلامي ، فحين أراد مسيلمة الكذاب نشر رسالته الجديدة، استعان بالضفدع في قرآنه الجديد، وكان من آياته الغبية هذا الصدد : «   يَا ضِفْدَعُ ابنة ضفدع، نِقِّي مَا تَنِقِّينَ، أَعْلاكِ فِي المَاءِ وَأَسْفَلُكِ فِي الطِّينِ، لا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، ولا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ».

 ومن شعر الأخطل قوله :                                                        
                            ضَفادعُ في ظَلْماءِ لَيْلٍتجاوَبَتْ     فدَلَّ عَلَيْها صَوْتُها حيّةَ البَحْر

ضفادع بكل هذه اللذة وبكل هذا البهاء والحضور في البيئة والثقافة والتاريخ ،ألا تستحق أن يُحتفَــى بها وأن يُفطر عليها بعد صيام طويل ؟
مهما يكن ، وبغض النظر عن فضائل الضفادع ،لا بد من التكيف مع المرحلة الاقتصادية التي يجتازها العالم اليوم.وبلادنا ليست استثناء.نحن جزء لا يتجزأ من هذا العالم.لكن ليس هكذا بالمطلق.فمثلا يمكن أن نفطر على ضفدعة بعد سنة من الصوم وشد الحزام،ويمكن أن نصبر على الحاجة والشدة وقلة ذات اليد .نحن في كل هذا ،جزء من هذا العالم، لكن حين يتعلق الأمر بالتنعم باختراعات العصر ومنتجات الحضارة وقضاء العطل في منتجعات هاواي أو شواطئ فلوريدا أو قمم مالقا أو حتى في شرم الشيخ قريبا من حسني مبارك قبل الثورة المصرية، فنحن أيضا جزء من هذا العالم.لكن ليس بقضنا وقضيضنا،بصغيرنا وكبيرنا،بفقيرنا وغنينا ،تلك فوضى غير خلاقة .ولكن فقط يمثلنا سادتنا وكبراؤنا.أليس هذا جوهر الديمقراطية التمثيلية ؟
أكثر من هذا، نحن بحكم تكويننا الثقافي وموقعنا الجغرافي،أقرب إلى الكائنات النباتية منا إلى الكائنات اللحمية.فلا أحد في الشارع يتذمر لأن ثمن اللحم مرتفع .كل أنواع اللحوم ، بيضاء أو حمراء أو ضفدعية… لا تشكل الوجبة الرئيسية بالنسبة لشريحة واسعة من الشعب المغربي.فلا نهتم بتقلب أسعار هذه المواد إلا قليلا، ورحم الله عبدا عرف قدر نفسه.لأن من فكر في اللحم،وهو بأي حال لا يعنيه،سمع في الحال ما لا يرضيه.
أما حين يتعلق الأمر بالأغذية التي مصدرها نباتي ، فنحن لها ومنها وأولى بها …
فالمواطن المغربي ، وإن أصبح مليونيرا أو مليارديرا، حين تسأله : كيف الأحوال ؟ يكون جوابه لا زمة أبدية : طرف الخبز صعب !!. ليس تواضعا فحسب، ولكنها الجينات الثقافية الراسخة على امتداد تاريخ طويل .ولا أحد يطمح أكثر من ذلك،كأن يقول مثلا قطعة اللحم أو قطعة الشكولاطة …هذا ترف ونوع من التحدي الكبير.
وبناء عليه ، نُطمئن حكومتنا ووزير ماليتنا على خزينته ، فهم يعرفون سلفاً أن غاية منانا أن نسمع بأن هناك زيادة في الأجور، أما قدر هذه الزيادة وتاريخ سريان مفعولها ومدى التوازن بينها وبين الغلاء الحاصل في المعيشة اليومية، فتلك تفاصيل.والشيطان يكمن في التفاصيل.نعوذ بالله من شيطان التفاصيل .
نحن يا سادة حسمنا أمرنا وحددنا سقف مطالبنا وحمدنا الله على فضل عطائه وشكرنا وزير المالية على كرمه وسخائه.نحن واقعيون جدا … صابرون جدا … راضون جدا.

ويكفي أن تعرفوا ،أن نسبة كبيرة من المغاربة يقضون اليوم كله في أعمال شاقة وظروف عمل صعبة ، فقط من أجل قوت اليوم ، أما الزيادة فلا يفكر فيها إلا أحمق.وكل شيء دون الحمق يهون.

فلا عجب إن كان المطلب مختزلا في ثلاث كلمات : (خُبْــزٌ … بَطَــاطسٌ… عَــدَسٌ و( بَـــــسْ)
أما التوابل واللحم والفواكه … فتلك تفاصيل وترف…
ونحن لا نحب أن نزعجكم بتفاصيلَ من عمل الشياطين…
 ولا بترف، فمن ذا يرضى عمل المترفين ؟.