يوسف عثمان – كود ///

كنت يسارياً،
آمنت بالأحلام المشتركة،
وبالكولخوز والسوفخوز،
لكنني اكتشفت أنها أوهام تُباع،
وأن الرفاق غارقين في البحث عن مجد مفقود،
وأفكار بين دفتي كتاب لم يُفتح قط.

تحولت إلى يساري تقدمي،
دافعت عن الحداثة،
ظننتها الخلاص،
لكنها كانت مجرد قشور.
لبُّ الفكر اختفى،
والتقدمية أصبحت حبيسة الشعارات الرنانة.

تحولت إلى ليبرالي،
آمنت بحرية الفرد،
لكنني فقير،
والليبرالية لا تزدهر مع الفقر،
فكان نتاجها غباءً أكثر من الحرية.

قررت أن أكون وطنياً على طريقتهم،
رسمت الزليج على زجاج السيارات،
المركونة على ناصية الطريق،
أحاول أن أترك أثراً،
لكن النواصي مليئة بلصوص الأحلام،
يبيعون الوطنية ويتنكرون للوطن.

صرت لا منتمياً،
أقف على الهامش،
أراقب الجموع وهي تهتف بشعارات لا تصدقها،
أسمع خطباً عن الحرية والكرامة،
وأرى وجوهاً تنضح بالزيف.

أردت أن أكون بطلاً وطنياً،
لكن الأبطال يتطلبون ميزانية،
وبما أنني مفلس،
فقد اكتفيت بدور المتفرج،
الذي يصفق بصمت،
ويحاول ألا يزعج سادة المسرح.

حاولت أن أرسم ابتسامة،
أن أتحمس مع الحشود،
لكنهم طلبوا مني رسوم الحماس،
أو على الأقل اشتراكاً شهرياً،
فضحكت… وسحبت حماسي إلى جيب آخر.

أردت أن أنتمي،
لكن الانتماء يحتاج لتصريح،
وبما أنني “بلا حزب” و”بلا لون”،
قيل لي إنني مجرد شبح سياسي،
صوتٌ يهيم بين الشعارات دون وجهة.

حاولت أن أرفع العلم عالياً،
لكنهم قالوا إن هناك معايير لرفع العلم،
مقاييس ودورات تدريبية،
ومقابل مادي لمن يريد أن يحمل العَلَمَ بإخلاص.

حاولت أن أنتمي مرة أخرى،
لكنني اكتشفت أنني أحتاج تصريحاً،
ولجنة تقرر إن كنت وطنياً بما يكفي،
ومحاضرات في “كيفية إظهار الوطنية بطريقة صحيحة”،
وأخلاق تطابق معايير الوطنية الحديثة.

كلما أردت العودة للصفوف،
وجدت طابوراً طويلاً،
يمتد من أول المقهى حتى أبواب البرلمان،
ينتظرون شارة الانتماء،
وأنا…
ما زلت أقف في الظل،
أرقب المشهد وأتساءل،
هل هذا هو الوطن، أم مجرد مسرحية بميزانية منخفضة؟

أنا مغربي فقط،
ملكي مثل جدي الذي قاتل ضد الأعداء،
ملكي مثل ملايين المغاربة،
دون تكلف،
دون زيف،
دافعنا الحب والوفاء،
حتى وإن كنت مكتئباً،
منتحباً،
سأواصل السير على هذا الطريق،
سأبقى وفياً، رغم غبار الأيام،
حتى وإن غلبني التعب،
وأثقلتني الهواجس،
سأرفع رأسي عالياً،
أردّد أنشودة الوطن بصوت صادق،
صوت ليس للبيع.

بكل ما يحمل القلب من حب،
وكل ما تعجز الكلمات عن وصفه من ولاء،
لأرض تحن عليها خطاي،
ولعلم يخفق في كل نبضة،
بالشعار،
الله،
الوطن،
الملك.
حتى وإن كانت خواطري….
تعاني من اكتئاب مزمن!