كود : يونس أفطيط//

بعيدا عن الديمقراطية في شكلها المغربي الذي يذهب إلى تشكيل الحكومة من أطياف مختلطة بينها اليميني واليساري والحداثي، فإن العرف الاسباني يقضي بأن تشكل الحكومة بكل وزراءها من الحزب الذي يحصل على المرتبة الاولى، حيث يمنح الوقت الكافي لهذا الحزب إن لم يوفق في الحصول على النصف زائد واحد، لإجراء مفاوضات مع الأحزاب الجهوية التي تكون لديها نفس توجهه أو محايدة بدون توجه لا يساري ولا يميني، وذلك لتدخل معه في الاغلبية البرلمانية دون الحصول على أي إستوزار، إذ أن الحكومة تقدم وعودا لهذه الاحزاب بتنفيذ برنامجها الانتخابي الذي وعدت به سكان جهتها.

دائما ما كان الحزبين التقليديين “الحزب االشعبي والحزب الاشتراكي”، ينهيان الانتخابات بفوز بالاغلبية المطلقة أو بفوز مريح لأحدهما فلا يحتاجان إلا لعقد تحالفات مع الاحزاب الجهوية الصغيرة، غير أن إنتخابات سنة 1996 كانت مشابهة لإنتخابات 2015 بعدما أفرزت فوزا بفارق 15 مقعدا للحزب الشعبي على غريمه التقليدي الحزب الاشتراكي حيث حصل الاشتراكيين على 141 مقعدا فيما حصل الحزب الشعبي على 156 مقعدا، فيما حصل على المرتبة الثالثة حزب “إيثكييرادا” أو بالعربية “الحزب اليساري” ب21 مقعدا، وهو الحزب الشقيق تقريبا في التوجه للحزب الاشتراكي والذي كان معه في تحالف في الحكومة السابقة، ما جعل الحزب الاشتراكي مباشرة يقفز إلى 162 مقعدا، زيادة على المتحالف الثالث معهما وهو “كونفيرجينسيا يونيون” وهو حزب كاطلاني حصل على 16 مقعدا، وكان ورقة الجوكير التي بيد الحزب الاشتراكي لإسقاط تحالفات الحزب الشعبي، حيث كان بالفعل يستطيع إجهاض مفاوضات الحزب الشعبي والحصول على رئاسة الحكومة.

وفي الوقت الذي وقفت إسبانيا آنذاك تشاهد ما سيقع وهل سينهار الحزب الشعبي ولا يستطيع الحصول على أصوات “كونفيرجينسيا يونيون” المتحالف فعلا مع الحزب الاشتراكي رغم أنه ليس يساري بل حزب جهوي كاطالوني يتفاوض بناء على المزايا المقدمة لجهته من قبل الحكومة، خرج زعيم الاشتراكيين وأذاع إعلانا جعل الاسبان يعتبرون أنهم وصلوا إلى قمة الديمقراطية.

وأكد فيليبي غونزاليس آنذاك، أن الحزب الاشتراكي سيحترم إختيار الشعب ولن يقوم بعقد أي مفاوضات مع أي حزب محايد إلى غاية إنتهاء المهلة التي تعطى للحزب لتشكيل الحكومة، تنفيذا لرغبة الشعب الذي إختار الحزب الشعبي ولو بفارق ضئيل.

وقد إستمرت المفاوضات بين الحزب الشعبي وحزب “كونفيرجينسيا يونيون” شهران كاملان، حيث منح “بارتيدو بوبولار” أو الحزب الشعبي بالعربية، العديد من التنازلات لصالح الحزب الكاطالاني حتى يصوت لصالحه إذ سمي تحالف الحزب الشعبي والحزب الكاطلاني ب”باكتو ماجيستيك”، ما جعل الاسبان يرفعون فيليبي غونزاليس إلى مرتبة عالية لتفضيله الاحتكام إلى الديمقراطية بدل اللهث وراء المناصب الحكومية، التي إستمر فيها لمدة 13 سنة كرئيس لحكومة إسبانيا، وهو رقم قياسي في أوروبا لحد الساعة.

الانقلاب الانتخابي الذي وقع في إسبانيا يوم أمس جعل كل الاوراق تختلط لكون الاحزاب اليمينية ولا حتى اليسارية لا تستطيع تشكيل الاغلبية، والسبب هو حزب “بوديموس” أو بالعربية “نستطيع” الذي أسس سنة 2014 ، لكونه الحزب الذي تولد عن حركة “بوديموس” التي جاءت كثورة الربيع العربي لتنقلب على الحزبان التقليديان “الشعبي والاشتراكي”.

فوز “بوديموس” ب69 مقعدا جعل محللين إسبان يتكهنون بأن هذا الحزب من المستحيل أن يتحالف مع الحزب الشعبي الذي يعتبر يعتبر الاحزاب اليمينية أحزابا فاسدة، ومن الممكن أن يتحالف فقط مع الحزب الاشتراكي الذي يعتبر في نفس توجهه اليساري، رغم أنه جاء لمحاربتهما معا، لكنه سيجد نفسه مرغما على عقد تحالف مع أحدهما، ويبقى الاقرب إليه هو الحزب الاشتراكي.

الغريب في الانتخابات الاسبانية هذه المرة، هو فقدان الحزب الشعبي ل63 مقعدا عن آخر إنتخابات، حيث حصل في إنتخابات 2011 على 186 مقعدا بأغلبية مطلقة لا يحتاج فيها لعقد أي تحالفات، لينزل إلى 123 مقعدا ويصير مرغما على عقد التحالف.

المقاعد التي خسرها الحزب الشعبي لم تذهب إلى حزب يميني آخر، بل إلتقطها حزب “بوديموس” الذي يستحيل أن يعقد تحالفا مع الحزب الشعبي كما اسلفنا الذكر وهو ما يجعل الحزب الاشتراكي أقرب إلى عقد تحالف مع بوديموس ليصير لديه 159 مقعدا بالاضافة إلى 9 مقاعد لحزب يساري في كاطاولنيا يسمى “إيسكييرا ريبوبليكانا دي كاطالونيا” أو اليسار الجمهوري في كاطاولنيا، ما يجعله يرفع رصيده إلى 168 مقعدا بشكل أكيد حيث لم يتبقى له سوى 8 مقاعد للحصول على الاغلبية المطلقة، رغم حصوله على المرتبة الثانية في الانتخابات، بمقابل 123 مقعدا فقط لدى الحزب الشعبي الذي ستكون مهمته جد صعبة في عقد التحالفات، إذ لم يتبقى له سوى حزب “سيودادانوس” أو المواطنين بالعربية، والذي يعتبر حزبا محايدا كان قد أسسه 15 من المثقفين الكاطالاونيين أغلبهم أساتذة جامعيين في برشلونة سنة 2006 من أجل الدفاع عن المدينة والبيئة وكان حزبا صغيرا قل أن يصبح من الاحزاب الكبرى في هذه الانتخابات، ويعتبر حزبا مهادنا وليس ثوريا كبوديموس.

ويتوقع المحللين أن يعقد “سيودادانوس” تحالفا مع الحزب الشعبي في إطار الامتثال للديمقراطية، لكنهم لا يستبعدون بالمرة تحالفه مع الحزب الاشتراكي، في حال سعي الاخير إلى إجهاض تحالفات الحزب الشعبي، حيث أن الاغلبية حاليا قد تكون في يد الحزب الإشتراكي الذي قد يجعل الملك فيليبي يمنحه التزكية لعقد تحالفاته، في حال إنتهاء المهلة المحددة للحزب الشعبي للمفاوضات دون الوصول إلى تشكيل التحالف البرلماني.

فهل سيعود الحزب الاشتراكي مرة أخرى إلى منح الشعبيين الفرصة لعقد التحالفات دون أن يتحرك إلى غاية إنتهاء المهلة المحددة، أم أنه سيسارع إلى قتل ماريانو راخوي ويعقد تحالفه مع جميع الاطراف وإنهاء حلم الحزب الشعبي بالعودة لترؤس الحكومة لولاية أخرى؟.