هناء أبو علي ـ كود//

يُنقل عن الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال امحمد بوستة قوله، في مجالس خاصة، إن الملك الراحل الحسن الثاني نسي، في الوقت الذي كان بصدد وضع الترتيبات اللازمة لإعلان وفاة والده يوم العاشر من رمضان 1380، وأشعل سيجارة.

وحسب امحمد بوستة، الذي كان يحمل حقيبة وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري برئاسة الأمير مولاي الحسن، فإن الملك طلب منه أن يرافقه إلى مقر الإذاعة لتسجيل خطاب يعلن فيه وفاة “أب الأمة” محمد الخامس.

ويذكر بوستة أنه كان في القصر الملكي بالرباط، في ذلك اليوم الموافق لـ26 فبراير 1961، رفقة عبد الخالق الطريس وزير العدل آنذاك والمكلف من طرف محمد الخامس بإدارة شؤون البلاد في حالة غيابه أو غياب ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يتجاذبان أطراف الحديث. وقد كان “أب الأمة” يرقد في المصحة الملكية للخضوع لعملية جراحية، وصفها طبيبه الخاص بـ”البسيطة”.

وابتداء من منتصف الظهر، لاحظ بوستة، وفق روايته دائما، أن ولي العهد ساعتها يخرج من المصحة الملكية حزينا، ثم ناداه. سارع الزعيم الاستقلالي إلى التخلص من الطوريس، وتوجه إلى مولاي الحسن، الذي نعى والده بـ”هدوء”، قائلا: “الوالد مشى عند الله”، ثم طلب منه أن يرافقه إلى مقر القيادة العليا المجاور للقصر، ومن مكتبه اتصل بالمسؤولين العسكريين في كل من وجدة وأكادير وميناء الدار البيضاء، وطلب منهم أن يبقوا في حالة استنفار قصوى، لكن دون أن يخبرهم بوفاة “قائدهم الأعلى”.

ويضيف امحمد بوستة، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع القصر، أن ولي العهد مولاي الحسن طلب منه، مرة أخرى، أن يرافقه إلى مقر الإذاعة المغربية، الواقع على بعد حوالي 300 متر من باب القيادة العليا، لتسجيل أول خطاب له كملك، ينعي فيه والده.

وفي الطريق، أمر الحسن الثاني، الذي احتفظ بحقيبة الشؤون الخارجية لشخصه، وزيره امحمد بوستة بإعلام بعض السفراء المعتمدين لدى المملكة بوفاة “المجاهد الأكبر”. وفي لحظة ما، وِفق بوستة، أخرج مولاي الحسن، الذي سيلعن نفسه ملكا يوم 3 مارس 1961، سيجارة وأشعلها نسيانا أو سهوا، وحين رمقه بوستة، وقد بدت على محياه علامات التعجب والحيرة، قال له ولي العهد: “الله يسمح لي، غادي نْرَدُو”.

ولأن تعمد الإفطار في نهار رمضان بغير عذر شرعي يعتبر، وفق جمهور من العلماء  من كبائر الذنوب عند الله، فإنه يستوجب على المفطرين “أن يتوبو إلى الله تعالى توبة نصوحا، وينبغي لهم أن يكثروا من الاستغفار والأعمال الصالحة”، فإن الحسن الثاني جعل من اليوم العاشر، في رمضان الموالي، مناسبة لإحياء ذكرى وفاة “المجاهد الأكبر وأب الأمة”، وأيضا لتخصيصه للإكثار من الدعاء بالرحمة والمغفرة لمن قضوا نحبهم، وبالصلاح والثواب لمن ينتظرون، كما كان يفعل المسلمون، منذ عدة قرون، في إطار ما يعرف بـ”دعاء اليوم العاشر من رمضان”.

وفي عام 1963، أحدث الحسن الثاني الدروس الحسنية تكريما لأسلافه السلاطين، وأيضا للترويج لـ”الإسلام المغربي”، المبني على الوسطية والاعتدال دون غلو أو مغالاة، والذي لا يختزل دين محمد في “أشخاص مشاغبين ملتحين ومرتدين لزي أبيض… وأن الإسلام غير المتسامح لا يمت للإسلام بأية صلة”، كما في حوار صحافي ردا على سؤال حول “النظرة المخيفة التي ينظر بها الغرب للدين الإسلامي على أنه دين غزو وتعصب ولا تسامح”.