هناء أبوعلي ـ كود//
لم يخرج الملك الحسن الثاني، بصفته أميرا للمؤمنين، عن نهج أسلافه في الاحتفاء بشهر رمضان. وقد شاءت الأقدار أن ينتقل والده محمد الخامس في يوم 26 فبراير من عام 1961 الميلادي، الموافق لـ10 رمضان من سنة 1380 الهجري. غير أن الحسن الثاني، الذي كرمه والده بجعل ذكرى يوم ميلاده، في 9 يوليوز، عيدا للشباب في المغرب ابتداء من عام 1956، قرر أن يجعل من 10 رمضان يوما مقدسا، يستحضر فيه، رفقة رعاياه المغاربة، تضحيات أب الأمة الجسام من أجل الحرية والاستقلال.
بل إن الحسن الثاني أحدث، بعد أقل من سنتين من جلوسه على عرش الحكم، ما يعرف بـ”الدروس الحسنية”، تلقى في حضرته من طرف علماء ومشايخ ودعاة وأصحاب فكر وثقافة من المغرب وخارجه طيلة أيام رمضان، ويحضرها، أيضا، قراء يتلون آيات من القرآن الكريم، قبل بداية كل درس.
كما كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تطلب من الفقهاء القادمين من مختلف البلدان إلقاء دروس في مساجد مدن أخرى أمام المصلين ما بين المغرب والعشاء، كما كانت تنظم على شرفهم، بعض الأنشطة الدينية كـ”ليلة القرآن”.
ويأتي الاحتفاء بيوم 10 رمضان وإطلاق “الدروس الحسنية”، ضمن السياسة الدينية التي نهجها الملك الراحل، وعملا بوصية والده، حين نصبه وليا للعهد، والتي جاء فيها: “إياك يا بني أن تحيد عن صراط الإسلام القويم، أو تتبع غير سبيل المؤمنين، فإنه لا عدة في الشدائد كالإيمان، ولا حيلة في المحافل كالتقوى، واعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة… واجعل القرآن المصباح الذي تستضيء به إذا ادهلمت الدياجي واشتبكت عليك السبل، وليكن لك في رسول الله وصالحي الخلفاء أسوة حسنة…”.
لكن في تلك الأثناء، أي مع بداية العهد الحسني، كان يلاحظ تسامح المغاربة مع مفطري رمضان. ويذكر الباحث الأمازيغي مصطفى القادري، في كتابه “وطنية باحتقار الذات”، أنه إلى حدود سنة 1965 “كانت المطاعم مفتوحة في وجه المسلمين بدون حرج قانوني أو اجتماعي”. وتجمع شهادات من عاشوا تلك الفترة على ما أورده مصطفى القادري، إذ يفيد بعضها أن الحانات كانت تخدم زبائنها خارج المحل، كما هو الحال اليوم مع المقاهي والمطاعم “الحلال”، كما تشير أخرى إلى أن المرأة الحائض لم تكن تجد حرجا في تناول الطعام أمام أفراد أسرتها أو في الخارج.
عدد من الذين درسوا في الستينات يجمعون، أيضا، على أن الإفطار في رمضان كان شائعا بين الطلبة اليساريين في الثانويات والجامعات، دون أن يعبر زملاؤهم الصائمون عن أي انزعاج أو ضيق. بل إن عددا من الطلبة كانوا يدخنون داخل المدرجات دون أن يمنعهم أستاذهم المحاضر من ذلك.
غير أن في تلك الفترة ذاتها التي تميزت بالمد اليساري، وما أحدثه من ميول إلى التمرد على الطقوس الدينية إلى حد الإلحاد، تميزت أيضا، بوصول التيارات السلفية التي تدعو إلى العودة إلى دين السلف الصالح. وكانت بعض هذه التيارات متشددة جدا، كالسلفية الوهابية التي أسسها الفقيه المغربي محمد تقي الدين الهلالي، الذي قضى سنوات في مصر والسعودية، وتأثر بسلفييهما. واشتهرت هذه السلفية بإصدارها لفتاوى ترى أن “وكَّال رمضان” يستحق التعزير والتأديب، دون اللجوء إلى القضاء.
يشار إلى أن تقي الدين الهلالي هذا عاش فترة من حياته في ألمانيا، على عهد الزعيم النازي أدولف هتلر، وكان معجبا به، وذلك ما دفع وزارة الدعاية الألمانية إلى استقطابه للإشراف على الإذاعة العربية ببرلين، قصد الترويج لسياسة هتلر، الذي كان الهلالي يرى فيه “الزعيم الذي سيخلص العرب من الاستعمار الأجنبي”.
لكن هتلر انهزم وانتحر، فيما عاد الهلالي للمملكة لتأسيس “السلفية الوهابية”، وتأليف كتابه “الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق”. من العنوان يبدو أن كل من لا يدين بالإسلام على طريق الوهابية يستحق القتل. ومع تناسل معتنقي هذه السلفية المستوردة، بدأ المغرب يفتح قوسي (التشدد والتطرف). وقد كان لذلك ما تلاه.