هناء أبو علي ـ كود//
استمر السلاطين العلويون، كأسلافهم السعديين، في الاحتفاء بحلول شهر رمضان، وجعله في جوهر سياساتهم الدينية، على اعتبار نسبهم النبوي الشريف، الذي يفرض عليهم الالتزام بكل شعائر الرسالة المحمدية.
وقد ظلوا على ذلك، رغم وصول النصارى الأوائل، الذين حاول بعضهم استمالة المغاربة المسلمين عبر حملات التبشير في مناطق من الإيالة الشريفة. وحتى مع فرض نظام الحماية، التي حملت معها التعاليم المسيحية تحت غطاء القيم الغربية، ظل المغاربة على دينهم، باستثناءات قليلين اعتنقوا النصرانية كدين، وكان من أشهرهم محمد بن عبد الجليل أحد أبناء خليفة باشا مدينة فاس، الذي أصبح يحمل اسم جون وأحد كبار الرهبان الذين يعترف بهم الفاتيكان. وكان محمد أو جون عبد الجليل، رفقة شقيقه عمر أحد أبرز الحركة الوطنية، ضمن أول بعثة أرسلتها سلطات الحماية إلى فرنسا لاستكمال الدراسة الجامعية، غير أن عمر رجع وأصبح وزيرا للفلاحة في حكومة امبارك البكاي الثانية، فيما قرر محمد البقاء بعدما “التحق بسلك الرهبنة الفرنسيسكانية ليكون خادما للمسيح”.
مع بداية عهد الحماية في عام 1912، حرص هوبير ليوطي المقيم العام، على نهج ما سماه بـ”السياسة الإسلامية”، والتي تقوم على مبادئ توقير الإسلام ومعتنقيه، واحترام العادات ومؤسسات الحكم والمؤسسات الاجتماعية التقليدية، حتى لا يقال إن فرنسا “الكافرة” تريد إحداث قطيعة بين المغاربة وشعائر دينهم، أو مع موروثهم الاجتماعي وتراثهم الثقافي.
ينقل دانييل ريفي الباحث الفرنسي، في كتابه “ليوطي ومؤسسة الحماية الفرنسية بالمغرب”، عن ليوطي نفسه قوله: “لم أتمكن، حتى الآن، من إحكام القبضة على المغرب إلا بفضل سياستي الإسلامية. إني متأكد من جدواها، وأطلب بإلحاح ألا يفسد علي أحد لعبتي”، فيما يمكن اعتباره تفسيرا للدواعي التي دفعته لسن الكثير من القوانين التي تتعلق بممارسة شعائر الإسلام في المغرب.
يكاد كل الباحثين يجمعون على أن نظام الحماية الفرنسي، من خلال الماريشال هوبير ليوطي، هو أول من جرم قانونيا الإفطار العلني في شهر رمضان، من خلال وضع قانون أصدره في سنة 1913، والذي تم تعديله سنة 1933.
واندرج قانون تجريم الإفطار العلني ضمن “سياسة ليوطي الإسلامية”، وقد كان موجها، أيضا، ضد المعمرين الأوربيين، مخافة استفزاز المسلمين، سواء كانوا مغاربة أو مقيمين.
وقد كان قانون 1913 يمنع، أيضا، غير المسلمين من دخول المساجد، علما أنه لا يوجد في الفقه ولا في الشرع ما يمنع غير المسلم من ارتياد المسجد. وذلك ما يفسر أن الدولة، منذ عهد الحسن الثاني، لا تجد حرجا في زيارة المسؤولين الغربيين، غير المسلمين، وأن تطأ أقدامهم مسجدي حسان في الرباط والحسن الثاني في الدار البيضاء.
هكذا، يمكن القول إن الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، في الفرع رقم 2 الخاص بـ”الجرائم المتعلقة بالعبادات”، يجد أصله غداة فرض الحماية الفرنسية. يشار إلى أن الفصل 222 ينص على أنه “كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مائة وعشرين درهما”. غير أن رفع الحد الأدنى للغرامات الجنحية إلى 200 درهما، أصبحت الغرامات المفروضة على “وكّالين رمضان” أعلى بكثير.
وفضلا عن عدم تسامح الدولة، من خلال القانوني الجنائي الذي تم تعديله في منتصف ستينات القرن الماضي، أصبح المجتمع، كذلك، أكثر تشددا، مع وصول تيارات شرقية كانت غريبة على المغاربة.