هناء أبو علي ـ كود//

بمجرد أن تمكن السعديون من بسط حكمهم على أراضي واسعة من المغرب، عملوا على توظيف المناسبات الدينية وكل ما تحمله من رموز من أجل تعزيز شرعيتهم في الحكم. فقد ساروا على منهج أسلافهم المرينيين، وجعلوا من حلول ذكرى المولد النبوي عيدا رسميا واحتفالا يرعاه السلاطين شخصيا. كما اكتسب شهر رمضان أهمية خاصة بالنسبة للدولة السعدية، إذ جعلته في قلب الطقوس الدينية التي ترعاها لترسيخ شرعيتها، والترويج لنسبها الشريف.

واندرج احتفاء السعديين، خاصة على عهد أحمد المنصور الذهبي، بشعائر الإسلام في إطار تنافسهم مع العثمانيين حول أحقية “خلافة المسلمين”.

فقد كان المنصور، الذي ظل يردد دائما كونه ينتسب إلى البيت النبوي، يرى نفسه أحق بـ”خلافة المسلمين” من حاكم دمشق أو بغداد، بل إنه أحق بها من العثمانيين الذين، وإن حكموا أطرافا شاسعة في أوروبا وإفريقيا وآسيا، لا يجري في عروقهم الدم العربي، أو أن أصلهم يعود إلى قريش أو بني هشام.

ووجه الذهبي، في هذا الاتجاه، كتابه الرسميين، كعلي بن محمد التمكروتي وأبو فارس عبد العزيز الفشتالي، لجمع الحجج الدينية والشرعية التي تثبت تفوق أحقيته بخلافة المسلمين. وقد كان المؤرخون الرسميون يسمون دولة السعديين بـ”السلطنة النبوية الفاطمية الحسنية”، ويلقبون الجيوش السلطانية بـ”جيوش النبي”، كما كانوا يصفون خطاباته بـ”الرسائل النبوية”.

من جهته، عمل المنصور، في إطار تكريس نفسه كـ”خلفية المسلمين” في أرض الله الواسعة، على تقوية معارفه الدينية، ورعاية العلماء والفقهاء وزعماء الزوايا الصوفية، وإكرام الفقراء…

في هذا السياق، جعل المنصور الذهبي من شهر رمضان مناسبة للتعبد ومناقشة أمور الدنيا والدين. ففضلا عن القراءة الجماعية داخل المساجد لحزبين في اليوم، حزب بعد صلاة الصبح وحزب بعد صلاة العصر، رَسَّم السلطان السعدي قراءة “صحيح البخاري” بعد صلاة العشاء كل شهر رمضان.

وذكر أبو فارس عبد العزيز الفشتالي مؤرخ الدولة السعدية، في كتابه المعروف “مناهل الصفا في مآثر الشرفا”، أن أحمد المنصور كان يقيم بقصره في شهر رمضان ليال دينية. وأضاف الفشتالي أنه كانت للمنصور سُنَّة راسخة خلال شهر رمضان تتمثل في سرد القاضي وأعيان الفقهاء كل يوم من أيام الشهر المبارك سفرا من نسخة البخاري، وهي مجزأة عندهم على خمسة وثلاثين سفرا، يقرأون كل يوم واحدا منها، إلا يوم العيد وتاليه، فإذا كان اليوم السابع بعد العيد ختم فيه صحيح البخاري، وتهيأ له السلطان أحسن تهييء”.

وذهب عدد من الإخباريين إلى أن احتفاء السعديين بـ”صحيح البخاري”، في شهر رمضان، دفعه إلى تكليف شخص، رسميا، لا عمل له في القصر السلطاني إلا سرد صحيح البخاري.

غير أن أحمد بن خال الناصري أورد، في كتابه “الاستقصا”، “إلا أن العادة الجارية عندهم، في ذلك، أن القاضي يتولى السرد بنفسه، فيسرد نحو الورقتين من أول السفر، ويتفاوض مع الحاضرين في المسائل، ويلقي من ظهر له بحث أو توجيه ما  ظهر له، ولا يزالون في المذاكرة، فإذا تعالى النهار ختم المجلس، وذهب القاضي بالسفر فيكمله في بيته. ومن الغد يبتدئ سفرا آخر. وهكذا، والسلطان في جميع ذلك جالس قريب من حاشية الحلقة قد عُين لجلوسه موضع”.

استمر من تولى الحكم بعد أحمد المنصور في اتباع هذه “السُنة الحميدة”، أي تلاوة البخاري، على أجزاء، بعد صلاة العشاء في رمضان. وربما هي من ألهمت الملك الراحل الحسن الثاني لإحداث الدروس الحسينة في عام 1963، غداة انتخاب أول برلمان مغربي.