هناء أبو علي ـ كود//
عمل المرينيون، بعد تمكنهم من الحكم، على تفادي تشدد سابقيهم (الموحدين) الذين يجمع المؤرخون على قسوتهم مع كل من لا يلتزم بأركان الإسلام، خاصة أداء الصلاة وصيام رمضان، بل إن بعضهم نسب إلى المؤرخ المغربي المعروف، محمد القبلي، قوله إن “الموحدين كانوا أول من مارس الفاشية في المغرب”.
في مقابل التشدد الموحدي، أبدى السلاطين المرينيون تسامحا، وتبنوا سياسية التدريج في جعل الناس، ممن لم يلتحقوا بعد بركب المسلمين الملتزمين، يقبلون على دين محمد.
فقد اقتنع المرينيون بأنهم يعدمون أسس شرعية دينية، كالمرابطين والموحدين، تسمح لهم بالقبول وسط المجتمع، كما أنهم لم يبلوروا أي مشروع لإصلاح الدين. وكان عليهم البحث عن صيغة تمكنهم من ذلك. في تلك الأثناء، انتبهوا إلى أن بني العزفى أو العزفيين، الذين كانوا يحكمون في مدينة سبتة، أقروا، في منتصف القرن 13 الميلادي، الاحتفال بعيد المولد النبوي كرد فعل على احتفال المسيحيين بميلاد النبي عيسى. “الدواعي التي كانت وراء إنشاء مثل هذا الاحتفال بعيد المولد لم تكن فقط التعقيب على الشيعة الذين اعتادوا الاحتفال بمولد الإمام على والحسين، ولكن الأمر يتعلق بمنافسة العادة التي جرى عليها المسيحيون في احتفالهم بعيد المسيح أو بالحرى بجعل بديل لما أخذ بعض المسلمين يقومون به في الأندلس…!”، وفق ما أورده المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي في كتابه “الإلمام بمن وافق حكمه للمغرب استهلال المائة عام”.
وحين لاحظت الدولة المرينية ترسخ هذا الاحتفال وسط المجتمع السبتي، واستمرار انتشاره في مناطق أخرى من المغرب، سارعت إلى تبنيه، بل إن السلطان يوسف بن يعقوب أمر، في عام 1292 بشكل رسمي، بتعميم الاحتفال بـ”عيد الميلود”، كما يسميه المغاربة اليوم، يوم 12 ربيع الأول من كل عام في كافة أرجاء البلاد.
واندرج قرار المرينيين جعل ذكرى مولد النبي عيدا رسميا للدولة في إطار ترسيخ “شرعيتهم” في الحكم، والإظهار بأنهم يُكِنَّون الحب للرسول محمد وذريته من الأشراف. في هذا السياق، سعت سلطة بني مرين إلى التقرب من الشرفاء الأدارسة، الذين ينحدرون من البيت النبوي، ومتعت بعضهم بظهائر التوقير، خاصة أولئك الذين كانوا يساعدون الدولة في إسعاف الفقراء والمحتاجين، والتكفل بالأرامل والأيتام، وتزويج المُعدمين على سنة الله ورسوله.
في غضون ذلك، انتبه المرينيون، أيضا، إلى دور المدارس لتعليم الأطفال العلوم الدينية على يد فقهاء كبار. وهكذا، اشتهر عصرهم ببناء الكثير من المدارس لنشر حقيقة الإسلام، بعيدا عما لحقه من “خرافات ونحل”، وجعلوا من رمضان شهرا لـ”التعبد ونشر قيم التسامح التضامن والتكافل”، أي دعوة الميسورين إلى مساعدة من هم في حاجة، من خلال الركن الثالث في الإسلام “الزكاة”، الذي خصص له المرينيون مؤسسة خاصة بجمعها وصرفها على من يستحق.
ولم يقتصر تسامح المرينيين على المخالفين لشعائر دين محمد فقط. بل لقد شمل، أيضا، فقهاء هاجروا بمعارضتهم للسلاطين. من بين هؤلاء، الفقيه عبد العزيز القوري الذي طلب منه السلطان المريني أبو الحسن الخروج مع عامل الزكاة بهدف الوقوف على شرعية جمعها بمناسبة عيد الفطر، غير أن الفقيه رفض “فضربه أبو الحسن بالسكين التي كان يحبسها بيده على عادته وهي في غمدها (…)، وقام السلطان إلى داره وقد اشتد وجع يده التي ضربه بها، ثم خرج فقال ردوه علي فردوه واعتذر إليه”، وفق ما جاء في أحد المراجع.