هناء أبو علي ـ كود//
لما وصل العرب الأوائل إلى المغرب، لم يتمكنوا من نشر دين الإسلام بسرعة ودفعة واحدة، بل تطلب وقتا طويلا، أمام المقاومة الشرسة للسكان الأمازيغ، الذين كانوا يتوزعون بين اعتناق الديانتين التوحيديتين الأخرتين، اليهودية والمسيحية، فضلا عن معتقداتهم المحلية المتوارثة، ذات الطقوس الوثنية، كعبادة الأرواح والجبال والمياه والكهوف…
وتفيد إحدى الروايات، ما تزال راسخة عند قبائل ركراكة، أن سبعة من رجالها أتى إلى علمهم، بطريقة ما، ظهور نبي في الشرق يبشر بدين جديد، وهو النبي المذكور في توراة اليهود وإنجيل المسيحيين. وتشير الرواية ذاتها إلى أن قبيلة ركراكة، في ذلك الوقت، قررت إرسال سبعة من خيرة رجالها وأشدهم بأسا وقوة إلى الحجاز لتطلع الأمر.
وفعلا، حسب الرواية، دائما، “توجه مرسولو ركراكة إلى مكة، ودخلوا مسجدا، وبدؤوا يتحدثون بلغتهم الأمازيغية، لم يفهمها أحد ممن كانوا بالمسجد، إلا رجل واحد هو النبي محمد نفسه، الذي تواصل معهم بلغتهم، وعرض عليهم رسالته الإلهية، وأسسها وأهدافها. وسرعان ما أعلنوا إسلامهم بين يديه، ثم عادوا إلى بلادهم مُحَملين برسالة دين محمد وسط قبيلتهم، وإقناع آخرين بالدخول في الدين الجديد زرافات ووحدانا. وقد نجح هؤلاء الرجال في مهمتهم، حتى أصبحوا أولياء صالحين، كما أصبحت أضرحتهم مزارات، ما يزال تقام لها المواسم إلى اليوم”.
تحاول هذه الرواية، (الأقرب إلى الأسطورة إن لم تكن أسطورة فعلا، إذ لم يرد مثلها في صحاح الأحاديث حتى عند أبي هريرة الذي أكثر من نسب الأحاديث إلى النبي)، أن الأمازيغ اعتنقوا الإسلام عن قناعة وطيب خاطر، قبل أن يصل عقبة بن نافع.
لكن الروايات التاريخية تكاد تجمع على أن المغاربة الأمازيغ اعتنقوا الدين الجديد بالتدريج، وعملوا على تكييفه مع معتقداتهم وعاداتهم وأعرافهم المحلية، مع الحفاظ على لغتهم الأم، إذ أن النطق بشهادتي “أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله”، لم يكن يفترض جعل الحديث باللغة العربية هو الأساس. بل إن عددا من القبائل اتبعت مذاهب مخالفة، تماما، لمذهب الخلافة في المشرق.
لا توجد مصادر تتحدث، مثلا، عن بدايات صيام المغاربة، والطريقة أو الطرق التي كانوا يمارسون بها طقوس رمضان. لكن قد يكون من المؤكد أنهم كما اختلفوا في أداء شعائر ركن الصلاة عما كان سائدا في المشرق، قد يكونون اختلفوا في طريقة أداء ركن الصيام.
بل إن البعض قد غير، كليا، مما جاء في الكتاب والحديث، كما فعل البرغواطويون، الذين جاؤوا بدين جديد، استمد في الواقع شعائره من أركان الإسلام، لكن مع تغييرات كلية.
وتفيد إحدى الكتابتين، اللتين تعرضتا لجزء قليل من حياة البرغواطيين استنادا فقط على ما تناقلته الألسن، أن صالح بن طريف الذي ادعى النبوة، حوالي سنة 150 للهجرة أو أقل بقليل، وضع لأتباعه البرغواطيين “قرآنا” مكتوبا بالأمازيغية، من 80 سورة، كل واحدة تحمل اسم نبي، الأولى باسم “أيوب”، والأخيرة باسم “يونس”. كما أن بن طريف فرض على أتباعه أداء الصلاة 10 مرات في اليوم، بدل 5. ونقل وقفة الجمعة إلى يوم الخميس، وجعل شهر الصيام في رجب بدل رمضان. وقد انتشر هذا الدين في مجال واسع يمتد على المحيط الأطلسي، تقريبا، من أزمور إلى مولاي بوسلهام حاليا، ويصل شرقا إلى ما بعد أغمات.
واستمرت الإمارة، طويلا، إلى أن قضى عليها، نهائيا، الموحدون، الذين عرفوا بتشددهم في الالتزام بأركان الإسلام كاملة، وفرض الصيام في رمضان كما كان معمولا به في الشرق.