هناء أبو علي ـ كود//

لم يفت علماء الأنثروبولوجيا الغربيون، الذي جاؤوا للمغرب لدراسة أجدادنا وعاداتهم وطقوسهم، الانتباه إلى تغير تصرفاتهم في شهر رمضان، بشكل كبير مقارنة مع الشهور الأخرى.

مثلا، تذكر الباحثة الهولندية مارجو بيوتلار، التي ألفت كتابا عن صيام المغاربة، أن إحدى صديقاتها المسلمات بمدينة بركان رفضت، حين زارتها أول أيام رمضان، أن تقبلها على الخدين، بينما جرت العادة أن تتبادلا القبل بشكل عادي في الأيام الأخرى. وتضيف بيوتلار أنها سألت صديقتها البركانية “عائشة” عن السبب، فردت عليها عائشة بهدوء: “أنت نصرانية وبالتالي غير طاهرة”، بمعنى أنها إن احتكت مع النصرانية جسديا، في الشهر الفضيل، قد يبطل صيامها، وتصبح مضطرة لصوم يوم آخر، كما “عليها أن تتوب وتستغفر الله عز وجل لما وقع منها من قطع الصوم الواجب بلا عذر”.

كما لاحظت الباحثة الهولندية أن مظاهر التعبد لدى المغاربة تزداد، خلال شهر رمضان، حتى بالنسبة لمن لا يلتزم بالصلاة في الشهور الأخرى. وأوردت، في كتابها، أن محلات بيع الكحول تغلق أبوابها قبل حلول رمضان بأيام، كما أن المطاعم الكبرى، التي تقدم الكحول، ترفض خدمة زبنائها المسلمين، الذين يتوقف أغلبهم عن تناول الكحول أربعين يوما قبل مقدم شهر الصيام، وهو ما يسميه المغاربة، في كلامهم الدارج بـ”شعبانة”، على اعتقاد أن من شأن ذلك أن يطهر أبدانهم من رجس “الشْراب”، وأن يمحو ذنوبهم التي ارتكبوها في 11 شهرا، كما يمحو أداء مناسك الحج معاصي حياة كاملة.

وسجلت مارجو بيوتلار، أيضا، أن الفتيات والنساء “العاهرات” يتوقفن عن ممارسة نشاطهن في اليوم، فيما قد يعرضن خدماتهن بعد الإفطار. بمعنى يجعلن ساعات الصوم للتعبد والزهد في ملذات النفس، وساعات الإفطار إلى مناسبة للاحتفال. كما أن الرجال، الذين يحرصون على صوم رمضان في النهار، لا يجدون حرجا في تعاطي القمار وتناول المخدرات والكيف قبل آذان الصبح بقليل.

من جهته، أفاد العالم الفنلندي إدوارد وستر مارك أن المغاربة كانوا يصومون قبل اعتناقهم الإسلام، كما كان حال المجتمعات البدائية الأمم القديمة، التي كانت تمتنع عن الأكل ساعات في اليوم كوسيلة لتطهير الجسم، “خاصة في أوقات التعبد عندما يراد التقرب من الآلهة على سبيل المثال”.

وكان وستر مارك قد عاش حوالي 7 سنوات متفرقة في المغرب ما بين 1898 و1926، قضاها في التجوال بين جهاته وحواضره الكبرى. ونشر سلسلة من الأبحاث الأكاديمية والعلمية حول المغاربة، محاولا تقديم تفسيرات علمية للتداخل الكبير بين موروثهم الاجتماعي والديني مع الخرافات التي كانوا يؤمنون بها.

فقد لاحظ وستر مارك، مثلا، أن المغاربة كانوا يحرصون على تناول أدوية شعبية أو القيام ببعض الوصفات السحرية في الصباح الباكر، قبل أن يصل الغذاء إلى المعدة. كما لاحظ وستر مارك أن المغاربة كانوا  يصومون اليوم الذي يسبق يوم عيد الأضحى (لْعيد لكْبير)، في الوقت الذي يحرصون على أن تبقى معدة الأضحية خاوية قبل الذبح. غير أن وستر مارك الذي خلص، وفق ما سجله من ملاحظات في مقامه المغرب، إلى أن عامة المغاربة لا يجدون أي مشكل في اعتناقهم الإسلام والاستمرار في الإيمان بخرافاتهم كانوا يبدون، في جهات من الإيالة الشريفة، تشددا مبالغا فيه مع “وكّالي رمضان، وهذه نتفة مما كتبه: “إذا شوهد من يجب عليه الصوم وهو يفطر فإنه يُرمى بالحجارة ويوضع في السجن إلى أن ينصرم شهر رمضان، بل إنه كان في السابق يُرجَم أو يُضرَب إلى حد الموت”. بينما يفيد الباحث الأمريكي ديفيد مونتكمري هارت، الذي قضى مدة طويلة مع عائلات ريفية، أن أسوأ تهمة يمكن أن توجه لشخص ريفي هي أن يشار إليه بأنه “يأكل رمضان”، وهي تهمة قد تنال حتى من أسرته وأصدقائه. ولاحظ هارت، الذي تعلم الحديث بـ”تاريفيت” خلال مقامه في مدينة طنجة، أنه لا يمكن تصور ريفي أو ريفية يفطران في رمضان، حتى وإن كان المفطر “مريضا أو على سفر”.