ضحى زين الدين – عن يومية  الصباح

“لم أر الملك”، قالها بصوت متعب، قبل أن يتوجه رأسا إلى المائدة، “فيا الموت ديال الجوع”. بعد أن بدأ يشعر بالشبع، التفت إلى الوجوه التي تنتظر أن يخبرها بما جرى. متلهفة إلى معرفة التفاصيل. وما أن أبعد عنه الصينية، حتى بادرته والدته بالسؤال، “إوا حمزة عاود لينا علاش ما شفتيش الملك؟”.
هذه بعض تفاصيل ما عاشه الطفل حمزة، الذي نقل من مدرسته رفقة حوالي 120 تلميذا، لاستقبال الملك محمد السادس، لمناسبة تدشين مستشفى خليفة بن زايد بالدار البيضاء.

 
قبل يوم من الزيارة الملكية، زار مسؤولو المدرسة التلاميذ في أقسامهم، طلبوا منهم الاستعداد لاستقبال الملك، والتأنق لهذه المناسبة، وحتى هنا الأمور طبيعية جدا. فرح حمزة، بل طار من الفرحة، لأنه كان يتمنى رؤية الملك مباشرة. بعد خروجه من المدرسة توجه إلى بيت خالته، “عافاك بغيت كرافاطة”.
بعد أن جرب كل ربطات عنق زوج خالته، اختار حمزة الدقيقة منها، لتظهر مناسبة لقامته، غير أن مشكلة أخرى ستصادفه وهو يستعد لاستقبال الملك، “ليس لدي قميص مناسب لهذه الربطة، ما العمل الآن؟” قال لخالته بما يشبه اليأس، وهو الذي يرفض أن يستقبل الملك بسروال “جينز” و”تيشورت”. فكر للحظة، قبل أن يستعطف خالته من جديد لمنحه 35 درهما لاقتناء قميص من سوق “مرجان”. أحضر القميص الأبيض، وربط “الكرافاطة” الزرقاء. “هاي هاي هاي مدير هذا”، توالت تعليقات أبناء الخالة الذين عبروا عن حسدهم، “سعداتك غادي تشوف الملك مباشرة، واش غادي يسلم عليك؟” يسأل ابن الخالة، “داك الشي لاش غادي نلبس كرافاطة باش نكون باين على الآخرين ويسلم علي”.

 
بكر حمزة في الاستيقاظ في اليوم الموالي، أخذ حماما ساخنا، رغم تحذيرات الأم من أن يصاب بالزكام. تأنق. أفرط في وضع العطر. أذهبت الفرحة شهيته للفطور، فتناول كأس شاي، وقطعة “كيكة” صغيرة، وتوجه إلى المدرسة، حيث أقلته وزملاءه الآخرين حافلات.
رصت الصفوف، وحمل التلاميذ الرايات واللافتات التي ترحب بالملك وضيوفه الإماراتيين. مرت الساعة الأولى، وكان خلالها التلاميذ ينتظرون بحماس. حاول حمزة الحفاظ على مكانه في الصفوف الأمامية، ليتسنى له تحقيق أمنية رؤية الملك مباشرة ومن موقع قريب.

 
مرت الساعة الثانية، وكان حمزة مازال يحافظ على مكانه، ويترقب وصول الملك. دارت عقارب الساعة عدة دورات، إلى أن وصلت الخامسة، كان حمزة خلالها يبحث عن مكان ليجلس، بعد أن سرق منه العياء والجوع والبرد، حماسته. تساقطت الأمطار وتساقطت معها آمال حمزة في رؤية الملك، خاصة بعد أن أفسدت التساقطات المطرية تسريحة شعره، وبللت قميصه الأبيض. وطغت رائحة العرق بسبب تدافع التلاميذ، وشعور بعضهم بحالة شديدة من العياء، وبالتالي الغضب، فكان كل واحد منهم قليل الصبر على أي خطأ قد يرتكبه الآخر بقصد أو غير قصد.

 
هاتف حمزة خالته، “بغيت نجي، واش تخلصي ليا الطاكسي ملي نوصل؟” ، بعد موافقة الخالة على أداء ثمن سيارة الأجرة، حاول الطفل مغادرة الحشد، خاصة أنه شعر بجوع قاتل، سيما أنه يعاني مرضا في الرأس وما بقيت فيه قدرة جسدية على الاحتمال. حاول مغادرة الجمع، إلا أنه منع من ذلك.

 
بعد دقائق من المكالمة، قال مسؤول للتلاميذ “الملك جاي.. الملك جاي”. وكأنه بذلك أشعل فتيل حماس جديد في التلاميذ الذين استبد بهم تعب الانتظار والوقوف من الساعة التاسعة والنصف صباحا إلى حوالي السادسة مساء، دون أكل أو شرب. دفع حمزة كل من يقف أمامه، محاولا الوصول إلى مقدمة الصف، وهو يردد “ملكنا واحد محمد السادس…ملكنا واحد محمد السادس”. غير أن أمله خاب في رؤية الملك كما وعد في المدرسة، لأن الملك مر عبر سيارته مباشرة إلى المستشفى، حيث حظي الأطباء بفرصة السلام عليه، وعاد حمزة إلى البيت، وفي انتظاره كانت الأم والخالة وأبناؤها الذين عادوا من مدرستهم، وكلهم شوق إلى طرح الأسئلة على حمزة “شفتي الملك؟ سلم عليك؟”.

 
احتفظت الخالة بصمتها، وهي تتذكر سنوات الثمانينات والتسعينات، حين كان المقدمون والشيوخ يحشدون البشر تحت أشعة الشمس وتهاطل الأمطار، لانتظار الملك الحسن الثاني، رغم علمهم أنه لن يصل إلا بعد ساعات طويلة، غير أن “المخزن” يأبى إلا أن يحول فرحة استقبال الملك، إلى تعذيب نفسي بسبب طول ساعات الانتظار.