هشام اعناجي- كود الرباط//

يتواصل التوتر بين حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة حول خطة التشغيل التي صادقت عليها الحكومة مؤخرا، بعد عرض وزير الشغل والإدماج الاقتصادي، يونس السكوري، في سياق خلافات وسط اعضاء الحكومة بخصوص طريقة تدبير هذه الخطة.

وحسب مصادر مطلعة، فإن الأحرار استبق الجميع وسارعو إلى الترويج للخطة ميدانياً عبر تنظيم لقاءات في مختلف الجهات، بينما اكتفى البام بالتعبير عن تحفظه (في الأوف وليس في العلن) دون أي تحرك عملي أو بديل واضح.

رمضانيات الأحرار .. تقديم خطة التشغيل بالمعقل الانتخابي لرئيس الحكومة

وفي خطوة سياسية محسوبة، لم ينتظر حزب التجمع الوطني للأحرار كثيراً قبل أن ينزل بثقله في الميدان لتقديم خطة التشغيل التي يشرف عليها نظرياً السكوري، وزير من الأصالة والمعاصرة.

ففي إطار برنامج “رمضانيات الأحرار 2025”، نظم الحزب ندوة بأكادير يوم 16 مارس 2025 بعنوان “التنزيل الجهوي لخارطة الطريق لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال التشغيل”، بحضور قياديين وأطر اقتصادية مؤثرة.

لم يكن اختيار مدينة أكادير عبثياً، فالمدينة تعد إحدى قلاع الأحرار الانتخابية، واللقاء لم يكن مجرد ندوة تقنية، بل حملة سياسية بامتياز هدفها إظهار أن الحزب هو الفاعل الرئيسي في تنفيذ الإصلاحات الكبرى للحكومة، حتى لو كانت المشاريع رسمياً تابعة لوزراء أحزاب أخرى.

حضر الندوة لحسن السعدي، ومحمد جدري، وفاطمة أمزيل، ورشيد بوخنفر، وكلهم أسماء محسوبة على التجمع الوطني للأحرار، مما يؤكد أن الحزب يهيمن بشكل واضح على النقاش حول خطة التشغيل، في ظل غياب أي تحرك جدي من حزب الأصالة والمعاصرة.

البام.. تحفظ دون فعل سياسي

في المقابل، أظهر حزب الأصالة والمعاصرة رد فعل “جد محتشم” تجاه خطة التشغيل. فبعد عرض الوزير السكوري للخطة يوم 13 فبراير 2025، لم ينظم الحزب أي ندوة أو لقاء حزبي لمناقشة تفاصيلها أو تقديم بدائل، بل اكتفى المكتب السياسي بإصدار بلاغ يحذر فيه من غلاء الاسعار وارتفاع البطالة مع التذكير باهمية الخطة.

عدد من أعضاء المكتب السياسي للبام اعتبروا أن الخطة تخدم بالأساس القطاعات التي يسيرها وزراء الأحرار، حيث سيتم توجيه جزء كبير من ميزانية 15 مليار درهم المخصصة لها إلى القطاعات الإنتاجية والاجتماعية، التي تقع تحت إشراف وزراء تجمعيين. لكن بدل الرد بعمل ميداني مضاد، بقي الحزب في موقع المتفرج، مكتفياً بنقاشات داخلية وبلاغات غامضة لا تحمل أي موقف حازم.

لكن الذي يزعج أكثر قادة البام، هو العلاقة الجيدة التي تجمع بين قادة الاحرار بوزير الشغل، خصوصا الدعم القوي والكبير الذي حظي به السكوري من طرف رئيس الحكومة اثناء تدبير لمشاورات ومناقشات القانون التنظيمي للاضراب، حيث نجح السكوري في تمريره بمنهجية تشاورية احترمها الجميع معارضة واغلبية.

رغم تحفظ قادة البام..رئيس الحكومة يسرع في إصدار منشور خطة التشغيل
رغم تحفظ المكتب السياسي للبام، أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يوم 26 فبراير الجاري، منشوراً رسمياً حول خطة التشغيل، بشكل عملي بدون الدخول في المناوشات السياسية التي يسعى بعض قادة البام الى هلقها.

منشور رئيس الحكومة، فيه أهدافا الخطة واضحة، أبرزها:
• إحداث 1.45 مليون منصب شغل بحلول 2030.
• خفض نسبة البطالة إلى 9% إذا تحسنت الظروف المناخية.
• دعم الاستثمار والمقاولات الصغرى عبر ضخ 15 مليار درهم.

هذا المنشور يؤكد، حسب مصادر “گود”، أن خطة التشغيل ليست مجرد مشروع لوزارة الشغل، بل هي رؤية حكومية متكاملة يقودها رئيس الحكومة شخصيا. وهذا ما يعكس إضعاف موقف البام داخل الحكومة، حيث فقد السيطرة على ملف مهم سياسيا، رغم أن الوزير المسؤول عنه ينتمي لصفوفه.

جميع مراحل إعداد الخطة تحت إشراف أخنوش

ما يزيد من إحراج البام أن جميع مراحل إعداد الخطة تمت تحت إشراف رئيس الحكومة. فمنذ 10 دجنبر 2024، عندما ترأس أخنوش اجتماعاً خاصاً بموضوع التشغيل بحضور جميع القطاعات المعنية، كان واضحاً أن هذا المشروع سيكون ضمن الملفات الاستراتيجية التي ستُحسب لحزب التجمع الوطني للأحرار.

القطاعات الحاضرة في ذلك الاجتماع تؤكد أهمية الملف ، حيث ضم وزراء الاقتصاد والمالية، التجهيز والماء، الفلاحة والصيد البحري، الإدماج الاقتصادي والتشغيل، الصناعة والتجارة، السياحة، والاستثمار، إلى جانب كبار المسؤولين الاقتصاديين، وهو ما يظهر أن الخطة لم تكن أبدًا مشروعًا قطاعيا، بل كانت منذ البداية تحت إدارة مباشرة من أخنوش، الذي أخرجها إلى العلن في لحظة حرجة داخل الأغلبية.

الأزمة عميقة وسط الحكومة

هذه التطورات عمقت التوتر داخل مكونات الحكومة، حيث يشعر البام بأنه تعرض للتهميش السياسي داخل الحكومة، في وقت استثمر فيه الأحرار بكثافة في الملف، ونجحوا في تقديم أنفسهم كحزب يقود الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، حتى لو كان الوزير المشرف رسميا على المشروع ينتمي لحزب آخر.

وزير وصف، في حديث جانبي مع الصحفيين في إحدى المناسبات التي حضرتها “گود”، ما يحدث داخل الحكومة ب”الازمة العميقة” وبأن تكسير العظام بين المكونات هو عنوان المرحلة.

وذهب البعض إلى أنه في حالة استمرار حزب التجمع في التفرد بالملفات الاقتصادية الكبرى، قد يزيد من شدة التوتر بين الاحزاب المكونة للتحالق الحكومي.

في كل الأحوال، يظهر أن حزب التجمع الوطني للأحرار تمكن من السيطرة على ملف التشغيل، بينما وجد حزب الأصالة والمعاصرة نفسه متأخراً في المعركة، دون أوراق ضغط حقيقية سوى تسجيل المواقف عبر “الأوف”.