كود : يونس أفطيط///

في البلدان العربية يوجد تصنيفان للانظمة الاولي وهو الصلب وقد أظهر الربيع العربي أن هذه الانظمة هي الاسهل من حيث إسقاطها والثاني وهي الانظمة الرخوة، والتي تكون في تعاملها مع الثورة بالذكاء الذي يمنحها دائما الافضلية ويفقد الطرف الاخر أي من عناصر المفاجئة والمباغتة.

حراك الحسيمة هو إمتداد طبيعي لحالة الغليان الهادئة في الشارع المغربي، وقد جاء في الوقت المناسب من جهة لإمتصاص غضب الشعب عبر الانفجار الهادئ وكان تعامل النظام معه بطريقة رخوة هو قمة الدهاء عبر إطلاق شرارة الاتهامات والإتهامات المعاكسة التي جاءت بنتيجة إيجابية.

أول شرارة ستخدم النظام كانت هي إشاعة كلمة “الفتنة” والتي جاءت بنتائج مباشرة أهمها كبح جماح من يريد إشعال أي أعمال شغب، حيث توجه متزعمي الحراك إلى التهدئة والمطالبة بالنظام التام في غياب السلطة عن ساحات الحراك، وبدل النظام الصلب إنتهجت السلطات المغربية نفس طريقة التهدئة في 2011، عبر مجموعة من التحركات والقرارات التي كان من شأنها أن تبعثر أوراق المحتجين أو حتى الجهات الاخرى التي كانت ترغب في إنطلاق الشرارة الاولى من الحسيمة وتعميمها على باقي المغرب، لكن بدء الاتهامات جعل الحراك يحسب خطواته من جهة أولى، ثم القرار السريع للسلطات ببدء الاعتقالات من أجل إمتصاص الغضب وإفساح الساحة أمام المحتجين للتنفيس عن غضبهم، وبدا الامر جليا حينما إتهم وزير الداخلية محمد حصاد بالضغط على عائلة فكري بتحمل مسؤوليتها في حال وقوع أي إنفلات، وجاء التكذيب سريعا من عائلة فكري على ما قيل في جمعة الغضب بالحسيمة مؤكدين أن وزير الداخلية لم يقم بتهديد الاسرة، وتعاملت الدولة بدهاء مرة أخرى عبر عدم الانخراط في لعبة الشد والجذب، عبر إعتقال مطلق الاتهام أو حتى متابعته قضائيا لأنه وجه إتهاما أمام آلاف المواطنين لمسؤول رفيع المستوى يقف على رأس أم الوزارات.

في نظام صلب كنظام القذافي أو مبارك يكفي إتهام مثل هذا أن يزج بقائله والمحيطين به في غياهب السجون أو القتل، لكن منطق الدولة الرخوة يقوم على طأطأة الرأس أمام العاصفة وإستعمال الاحزاب وشيوخ القبائل في الانظمة القبلية كاليمن، ثم الاعيان ورجال الاعمال لنسف هذه الاحتجاجات، لأن هذه الانظمة تؤمن بشكل عميق أن أسهل شيء في طريق الاصلاح هو إسقاط النظام، وأن الاصلاح الذي يأتي بعده يكون طريقه طويل وصعب، وخير مثال على ذلك فرنسا التي إستمرت في ثورتها لعشرات السنين عرفت فيها أربعة ممالك وإمبراطورية وكلما سقط نظام ملكي وتحول للجمهورية يعود مرة أخرى النظام الملكي.

بعد الاتهام سيجد قادة الحراك أنفسهم أمام مفترق طرق، إما إعلان عصيان مدني وإحتلال ساحة محمد السادس بالحسيمة، أو الاحتجاج بشكل موسمي على شاكلة 2011 الذي كان فرصة أسبوعية لتفريغ المواطنين لغضبهم في وسط الشارع، وفي الحالة الاولى ستكون المواجهة ليست مع الدولة فقط وإنما مع أجزاء كبيرة من الشعب سيكون الاعلام حاضرا والسياسة لتذكية هذا الصراع عبر الالقاء بحجرة الفتنة مرة أخرى، بالاضافة إلى كون إعلان عصيان مدني يتوجب أن تهيء له الظروف التامة، وتغيب في المغرب هذه الظروف، ومن بينها أن يكون النظام صلبا لكون الانظمة الصلبة تقمع أي نوع من أنواع الاحتجاج بكل عنف، وتمنع الوقفات والمسيرات وتعتقل أي معارض وهو ما يجعل الامر يتحول لثرة صامتة تعتمل في نفس كل مواطن، وأي شرارة مثل الشرارة البوعزيزية تنفجر معها الاوضاع، لكن الحال في المغرب أن إمتص النظام على مدى نصف جيل أي عامل من عوامل الثورة من قلوب المواطنين، أولا عبر منح هامش الحرية، ثم التغاضي عن خرق القانون سيما الضريبي الذي يعتبر التهديد الاول للمغاربة، والسماح بإحتلال الملك العمومي وإمتصاص اليسار وتذويب المعارضين داخل مؤسسات النظام والعديد من الاصلاحات الشكلية التي أدت إلى منع إجتماع المغاربة حول أي ثورة، حيث أن الفساد كان بين دواليب السلطة لتقوم الدولة بتوزيع جزء منه على الشعب أو على جزء فقط من الشعب.

هذه الخطوات التي إتخذتها الدولة تجعل أي تفكير في العصيان المدني هو إنتحار حقيقي، الامر الذي يجعل قادة الحراك في الحسيمة يتوجهون إلى الخطوة الثانية، أي إحتجاجات موسمية، وهي الخطوة التي أثبتت فشلها سابقا في عشرين فبراير، والتي لم تكن سوى حركة إستطاعت إمتصاص غضب الغاضبين، أو حتى فرصة مواتية ليبرهن المغاربة أنهم ليسوا أقل من المشرق الذين قادوا الثورات واسقطوا الانظمة، والفرق بين هذا وذاك هو الثورة لا رأس لها حتى لا يستطيع النظام قطعه، ينما خرج الربيع العربي في المغرب مقنن وبمعالم واضحة، في حين هاج الناس في تونس وليبيا وسوريا ومصر واليمن دون أي قائد.

وقد كان خروج الاحتجاجات بتقنين واضح لا ينقصه سوى وصل الايداع لدى السلطات إيذانا بأن الحراك المغربي تجاوز مرحلة المخاض وولد موؤودا، وهو ما إتضح بعد توالي الاسابيع ووصل الغاضبون إلى حالة الاشباع من الصراخ في الشوارع دون أي مطالب واضحة غير مطالب كونية منذ خلق الانسان وهي محاربة الفساد وحرية التعبير وحقوق الانسان.

حراك الحسيمة سيكون إمتداد طبيعي لحركة 20 فبراير مع إختلاف الايديولوجية والمطالب والمسببات، إذ أن حراك الحسيمة بدأ إحتجاجا على الحكرة ثم إستمر حراكا بمطالب فضفاضة من قبيل الكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، وكما أسلفت الذكر هي مطالب كونية لا يمكن تحقيقها وإلا أصبحنا ملائكة ولم نعد بشرا، ولعل رفع سقف المطالب إلى التعجيز هو ما يجعل الحراك يستمر بداعي عدم تنفيذ المطالب، وفي الواقع هو أمر صحي بالنسبة للنظام الذي يحاول جعل عجلة الاحتجاج في حركة دائمة وبنغمة مضبوطة حتى يكون إمتصاص الغضب دائم، لكنه يبقى علاج مرحلي لحالة الغليان التي يعرفها المغرب.

حراك الحسيمة الذي يقع متزعميه بين الايديولوجية اليسارية والخطاب الديني العاطفي، إتجه في طريق مرسوم يؤدي به إلى نهاية محتومة بدون أي نتائج، حيث تحول الحراك من القضية الاساسية هي محسن فكري، إلى مطالب لا يمكن تحقيقها ويمكن الوصول إلى جزءها، في حين إستطاع الفصيل الاول السيطرة على الحراك وهو الفصيل المستعمل للخطاب الديني والعاطفي لكن مرجعيته يسارية محضة، وإستطاع إقصاء الفصيل الانفصالي التابع لحركة 18 سبتمبر، بينما يبقى السؤال :

أين يؤدي كل هذا؟

بطبيعة الحال كان المسار محتوما، لكن آخر تطور الذي وقع يوم أمس بالناظور والمتمثل في عودة الصلابة لمواجهة الحراك، عبر هجوم أشخاص مدججين بالاسلحة على المحتجين على غرار واقعة الجمل في مصر، سيعود ويبعث النور في قلب الحراك مرة أخرى، أو قد يكون باعثا على توحيد للقوى بين الناظور والحسيمة، والتي عرفت شرخا في الايام الاخيرة، لكن هذا الشرخ إستطاع حدث من 3 دقائق أن يعيد رتقه وسيكون له من العواقب ما سيكون، وقد يجعل الحراك ينفلت من بين أيدي قادته إلى التصعيد الذي سيجعل فصيل إنفصاليي حركة 18 سبتمبر يعود مرة أخرى للواجهة.