والموت بالنسبة لابن لادن، هو في العمق عدم الامتثال لأسلوبه ومضامين ما يقوم به.

وبدون العودة إلى كل ما كتب عن زعيم القاعدة والثري السعودي الأفغاني، يمكن القول منذ البداية إن الزعيم لم يؤمن أبدا بأسلوب الثورات والتمردات، وأن مفهومه للتغيير لا علاقة له بالحركات الاجتماعية والهبات المتمردة كما عاشتها الإنسانية، بل اعتبر أن الطريقة الوحيدة هي القتال والجهاد ضد الطاغوت وسفك الدماء.
ولم يسجل له أبدا، ولا لكل منظري تياره الجهادي، أنه دافع عن الحراك الاجتماعي أو التظاهر العام السلمي كأسلوب في التغيير. ففي كل الكتابات والتنظيرات توزعت القاعدة  ومن والاها، بين عداوة القريب أو عداوة البعيد وأولوية كل واحد منها. تارة يكون الأهم هو ضرب البعيد، في إشارة إلى الأمريكيين والغرب عموما، كدعامة للطاغوت المحلي، وتارة أخرى يكون العكس، أو الجمع بينهما كما في حال الضربات المسلحة أو الإرهابية التي شملت البلدان الإسلامية من الشرق إلى الغرب، كما شملت دول  الغرب.

هذا هو صلب الأسلوب. وحتى الممارسة العامة والجماعية لدى بعض الحكومات الإسلامية، في مصر وغيرها، لاقت هجوما عنيفا من لدن القاعدة وقواعدها الجهادية الأولى ..

وظل الأسلوب هو المضمون في حالات كثيرة، أي أن القتل والتخريب والمجابهات.. فريضة وليس العكس، أو التفاوض أو الاحتكام إلى غير ذلك.
والموت الثاني لابن لادن كان في الشعارات التي رفعتها الثورات العربية أو الحركات المطالبة بالتغيير. فهي لم ترتكز أبدا لا على أدبيات القاعدة، ولا على مفاهيمها، ولا جعلت من الحرب ضد الصليبيين واليهود، والحرب على التشريعات الوضعية ولا تكفير المجتمع هدفها.. بل ارتكزت أساسا على منظومة تشريعية، منها حقوق الإنسان والتعددية السياسية والسيادة للشعب والعودة إلى حقوق المرأة والمساواة..، وهي كلها قيم تعاكس تماما ما تقوم عليه القاعدة وتفكير بن لادن.
غير أن المفاجأة هي أن بن لادن بدا كما لو أنه يريد أن يحمل حركات التغيير معه إلى قبره.

فجاءت وصيته الصوتية لتسير على العكس التام من الطريق الذي سلكه منذ التأسيس لتبني التحركات الشعبية وتعتبرها انتصارا لها.
كما أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، اغتنمت العملية الإرهابية الفاحشة في حق مراكش وفي حق الإنسانية يوم 28 أبريل، لتعتبر أن الحراك الاجتماعي هو انتصار لها.

ليس التزامن وحده يثير الشك، بل أيضا السعي إلى سرقة الحركة من أبنائها الديموقراطيين.
واليوم، نرى بتساؤل، بدون حمل أي اتهام، ولا رغبة في الاستعلاء أو الاستعداء، أن الكثير من المظاهر مقلقة للغاية، سواء عندما تم إصدار بيان القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو عندما تتحرك الفلول المحسوبة على تيار التكفير أو المواجهة.

 هناك طريقة في نقل الحراك الاجتماعي، وهي أن يُقبِّله معاكسوه  قبلة طويلة وحانقة، وهي أبشع طريقة في الإجهاض، لأن السفاح لا يصنع الغد المشرق.
ولابد من الانتباه إلى كل الذين يريدون أن يعاكسوا مجتمعا لا يسير حسب أسلوبهم، ويريدون أن يركبوا على ما يحققه وعلى موجاته الشعبية من أجل إفراغها، أو من أجل إضعافها والسعي إلى القتال الذي يعتبر العقيدة الأولى لهم قبل أي ربيع أو صيف سلمي يأتي به الشارع.

هناك مسعى لكي يحمل بن لادن حركات التغيير معه إلى قبره، في العالم العربي، ولا نعتقد أن الاستثناء  يمكن أن يشملنا … في أسوأ السيناريوهات.
والحل؟

هو تقوية معسكر الإصلاح فعليا؟

وتلك قصة أخرى سنعود إليها