هشام اعناجي- كود//
طيلة الأيام الماضية خرج وزراء مغاربة من سباتهم التواصلي يشرحون سياساتهم في الإعلام العمومي في سياق حراك جيل زيد، بينما قرر اليسار المغربي أن يركب موجة “جين زيد 212” كما يركب طفل دراجة هوائية لأول مرة بحماس زائد وبدون فرامل، وباتجاه منحدر.
ففي زمن أصبحت فيه الحراكات تُقاس بعدد المنخرطين في سيرفر ديسكورد وبعدد المشاهدات على تيك توك، خرج علينا حراك “جيل زيد” كصرخة شبابية لتحقيق مطالب طالما كانت في صلب اهتمامات أي مغربي: الصحة وتعليم أفضل، وقضاء على الفساد، ولاحقا أضاف الشباب مطلب إسقاط للحكومة.
وبينما كانت الحكومة تغطّ في سبات تواصلي عميق، فجأة استيقظت من غفوتها بعد هذا الحراك، الذي تخللته أخطاء للسلطة في تدبير الخرجات الأولى للشباب وانزلاقات عنيفة لاحقا في الهوامش. وجعلها هذا الحراك تتذكر أن هناك شعبًا لا تكفيه البلاغات الرسمية التي ترسلها وكالات علاقات عامة نيابة عن الوزارات والمؤسسات.
لكن المفاجأة لم تكن فقط في زعزعة وإيقاظ الحكومة فقط، بل في تهافت اليسار الجذري على الحراك، وكأنه وجد أخيرًا حصان طروادة الذي سيضعه في الواجهة السياسية. فركب الحصان بحماس، ورفع شعاراته، وبدأ يحلم بسقوط المؤسسات، ويوقع رسائل سياسية باسم جين زيد 212، في نوع من “الوصاية الرمزية” أو تفعيل للـ”حزب الطليعي” الذي أوصى به لينين لتأطير الطبقة العاملة.
جيل زيد، الذي طالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وجد نفسه فجأة محاطًا بمنظّرين يتحدثون عن “إعادة صياغة العقد الاجتماعي”، و”تفكيك البنية السلطوية”، بينما هو كان يريد فقط تغييرا ملموسا في الصحة والتعليم، وهي مطالب لا يمكن تحقيقها في ظرف آني بقدر ما تقتضي نفسا طويلا وانضباطا سياسيا وماليا.
اليسار الجذري، في لحظة حماس، سقط من فوق الحصان. ظن أن الحراك سيقوده إلى ثورة شاملة، فإذا به يُترك في منتصف الطريق، يتجادل مع نفسه ويعلق اخفاقاته على مشجب “البرجوازية الرقمية”.
أما المكسب الحقيقي، فهو أن الحراك أجبر الحكومة على الخروج من صمتها، وأعاد النقاش حول الخدمات العمومية وسياسات الشباب والتشغيل إلى الساحة العمومية، وفضح من كان يحلم بالعنف الثوري وانهيار الدولة.
جين زيد لم يسقط الحكومة لكنه أسقط أوهامًا كثيرة، أولها ادعاء اليسار تمثيل الطبقات الشعبية والشبابية.
اليسار، الذي كان في الماضي يقرأ ماركس ولينين وتروتسكي، صار اليوم يقرأ تعليقات دسكورد وإنستغرام وصار ينتشي بنجاحه في تنظيم “لايفات” مع منظرين يساريين يعتقدون أن “الليبرالية” هي نوع من مطاعم الوجبات السريعة.
وفجأة، أصبح كل شيء “ثورة” عند اليسار الجذري: بضع متظاهرين؟ ثورة. آلاف تتابع تنظيرا يساريا في ديسكورد؟ ثورة. تأخر القطار؟ ثورة.
“جيل زيد” عبر عن مطالب موضوعية، رافضًا أن يُستغل كمنصة ايديولوجية، لكن تبقى طبيعته الأنونيموسية، المتخفية خلف الشاشات، تطرح تساؤلات جدية: هل هذه الصحوة مجرد موجة عابرة؟ أم أنها ستدفع الشباب المغربي إلى الانخراط الفعلي في العمل السياسي، المؤسساتي أو المجتمع المدني، بدل الاكتفاء بالاحتجاج الرقمي؟
ربما يكون “جيل زيد” هو أول حراك مغربي يطالب بالإصلاح من خلف شاشة، لكنه أيضًا أول من يذكر السياسيين بأن الإنجاز لا يحتاج إلى شعارات، بل إلى نتائج ملموسة وهو أيصا أول حراك يبرز ضرورة الاهتمام بالهامش حتى لايدمر المركز.