سيارات الإسعاف بالكاد أكملت نقل الضحايا من القتلى والجرحى، ورجال الشرطة يحاصرون المكان لتجنب دخول الفضوليين، باعة العصير جيران مقهى أركانة حملوا على أكتافهم جثث الضحايا صوب أول سيارة إسعاف شق صوتها صمتا خيم فجأة ذاك الصباح من خميس 28 أبريل 2011، القلاقل تنتقل وسط الساحة بأن الأمر يتعلق بانفجار قنينة غاز كبيرة الحجم يتم استخدامها في مطعم المقهى لإعداد الوجبات المغربية لكل زبون من السياح الأجانب الساقطين في هوى المأكولات المحلية، الحواجز الحديدية وصلت لتبدأ الشرطة العلمية في العمل في الأمتار القليلة المجاورة لمقهى أركانة، الملفت للانتباه حذاء رياضي نصف مشهم وعليه بقع دم كبيرة الحجم، ومسامير وقطع حديد تملأ المكان.
 
أول ضربة إرهابية تهز عاصمة السياحة المغربية أسقطت السكينة الروحية لأشهر ساحة في العالم العربي وهي تستعد للاحتفال بالذكرى العاشرة لتصنيفها من قبل منظمة اليونسكو كتراث عالمي للإنسانية بفضل مرافعات محاميها الإسباني المتقن للدارجة المغربية، والمقيم في جوارها، الكاتب خوان غويتيسولو، الحكواتيون انقرضوا عمليا من الساحة ولم يعد لهم أي وجود، سوى مروضي الأفاعي وملاعبي القردة وقارئات ورق النرد وبقية من رجال يلبسون زي نساء ويرقصون على أنغام عازف الكمنجة.
 
وفي اليوم الموالي للتفجير، تأتي الجمعة ببركة الحراك للساحة التي تنتفض من رماد التفجير الإرهابي لتعلن أنها حية باقية وشامخة ترد على خفافيش النهار من المتخفين في زي السياح من الباحثين عن جنة مجهولة العنوان عبر قتل الأبرياء المطمئنين إلى أن للساحة سحرها، ولتنتشر في الساحة جملة تتلقفها الوجوه المراكشية بأن للساحة ربا يحميها من كل مكر غدار ولو من المقربين من أبناء هذا المغرب.
 
الخطاب الرسمي المغرب أعاد الحديث عن الساحة وقيمتها بالنسبة للمغرب، وبدأت الوجوه الرسمية تقصد الساحة ترتدي قبعات تحمل ألوان العلم المغربي، ومنهم من حمل شارة مكتوب عليها أحب مراكش، والساحة كانت منسية إلى أن أعاد تذكير التفجير الإرهابي بها في مواجهة كل المكائد السابقة التي حيكت ضدها ومن بينها مناورة أحد المسؤولين المحليين المراكشيين لتحويلها إلى مستودع تحت أرضي للسيارات، بالإضافة إلى تحولها من أكبر ساحة في الهواء الطلق للتراث العالمي اللامادي للإنسانية إلى أكبر ساحة في الهواء الطلق للمطاعم الشعبية التي يتبارى فيها باعة المأكولات في الدفاع عن ما يقدمونه للسياح العابرين بين الأكشاك ليلا، يشد من عضضهم باعة الحلزون وباعة البرتقال، فيما صناع الفرجة الشعبية يعانون ويطلبون الدراهم القليلة لعل وعسى أن يكون غد العودة للساحة أفضل من فرجة هذا المساء.
 
تحولت أركانة إلى شاهد على أن خدشا عميقا على جبين المتألقة ببهاءها ساحة جامع الفنا لم تعد براقة الأناقة، بل إن صعلوكا تسبب لها في ندب سيظل القرينة على أن الرياح القادمات من فكر السعير تحمل المؤرق للضيافة على منوال سنن أهل البهجة من ساكني الحمراء من أحفاء المرابطي يوسف بن تاشفين الذي بنى المدينة وأهداها قربان غرامه لزينب، فالمراكشيون اليوم يقاومون الإرهاب بالبسمة وبالنكتة وبالمضي قدما في الحياة لتبقى لهم الساحة عنوانا لكل من يظل طريقه صوب السكينة من اتجاهات العالم الأربعة، فحثوا الخطى زوارا لها.