حميد زيد – كود//

كان يمكن لرواية “حوريات” للكاتب الحزائري كمال داود أن تنتهي من فصلها الأول.

فكل ما يأتي بعد ذلك يتكرر إلى ما لا نهاية.

كل هذه الصفحات الأربعمائة كان يمكن اختزالها في عشر. أو مائة.

أو في مقال في جريدة.

أو في مرافعة.

أو في بيان سياسي.

أو في حركة احتجاجية.

أو في نص.

كل الشخصيات. كل الأسماء. كل الأشياء. ظلت تردد نفس الكلام. عن العشرية السوداء في الجزائر. وعن قانون المصالحة وعن الصمت المفروضين. وعن الإرهاب.

وما كتبه الروائي الجزائري كمال داود في بداية عمله الفائز يوم أمس بجائزة أكاديمية الغونكور. ظل يعيده. بشكل رتيب.

في نص طويل لا يفتأ يتكرر. وكل مرة بلسان مختلف.

وخلال كل صفحات الرواية ظل كمال داود يعذب شخصيات روايته.

و يمطط كلامها.

ويرغمها على أن تلتقي مع بعضها البعض. في الطريق. وفي القرية التي عادت إليها فجر.

كي تتحدث جميعها باسمه.

ويضغط على “فجر” وعلى السائق الذي يبيع الكتب. وعلى “حمرا”. وعلى شجرة الزيتون. كي يعبروا جميعا عن موقفه.

ورغم أن لفجر لغة داخلية وأخرى خارجية.

فلا صوت إلا صوت كمال داود في هذه الرواية.

إنها خاضعة له.

وتخدم هدفه. وما يخطط له.

إلى أن يتعب منه القارىء. وينفر من استبداده. ومن إسكاته لأي صوت مخالف. ولأي تنويع. ولأي تعدد.

كل شيء.

كل اللغة.

كل الأحداث هي من أجل خدمة كمال داود.

كل ما يقع

كل العشرية السوداء.

كل الإرهاب

هي من أجل أن يبلغ رسالته إلى القارىء الذي وضعه نصب عينيه.

وقرر أن يتوجه إليه دون غيره و أن ينال إعجابه.

ومنذ البداية نعرف القصة.

ونعرف ما تعرضت له “فجر”. بعد أن نحرها الإرهابيون. وقتلوا شقيقتها. وأمها. وأباها. وعددا كبيرا من سكان القرية.

إلا أن فجر نجت من الموت بأعجوبة.

وعاشت بحبال صوتية مقطوعة. وبحنجرة يخرج منها أنبوب.

وبندوب تخفيها عن الناس. كي لا تثير رعبهم.

عاشت لتحكي للجنين الذي في بطنها قصة العشرية السوداء.

وما وقع لها. ولأهلها. ولكل الجزائريين.

حيث ظل هذا الحوار الداخلي بين فجر وابنتها التي لم تولد بعد هو الطاغي على كل فصول الرواية.

فالخارج سيء تقول لها.

ومن الأفضل لحورية التي لم تولد بعد أن لا تخرج إلى الوجود.

من الأفضل لها أن لا ترى الجزائر.

ولا ترى هذا العالم الذي لا مكان فيه للمرأة.

محذرة إياها من أن تلقى نفس مصيرها.

وهي اللازمة التي ظلت تتكرر إلى ما لا نهاية.

إلى أن تحولت إلى عقبة أمام تقدم الرواية.

وهوسا لا يمكن التخلص منه.

وهدفا للرواية.

إذ ظل كمال داود يلزم “فجر” على أن تتحدث بلسانه.

منتقدة العادات والتقاليد وعيد الأضحى. والدم. والذبيحة. واللحم.

والتشدد الديني.

والجامع.

وغياب صوت المرأة التي لا يحق لها أن تحزن وتبكي. ولا يحق لها أن تفرح. ولا يحق لها أن تسمع صوت كعب حذائها.

ولا يحق لها أن تمارس الوعظ في المسجد.

لتصبح هذه الحيلة الروائية مع رتابة الحكي. وتشابهه. وتكراره. ممجوجة. وغير موفقة.

وتخدم الكاتب كمال داود.

بينما تؤثر سلبا على الرواية.

ورغم أننا لسنا في سنة 1999.

ورغم أن الكاتب يتحدث عن الجزائر الحالية.

فإمام المسجد مازال يتصرف كما في العشرية السوداء.

ومازال يحارب صالون الحلاقة الذي تسيره فجر.

ومازال المصلون متجهمين.

والإرهابي نتنا. و متسخا.

ومازالت الطريق محفوفة بالمخاطر. ومليئة بالرجال المتربصين بالنساء

كما لو أن كمال داود يرى الجزائر بعين خارجية.

عين مستشرق له نظرة مسبقة لكل ما هو مسلم وعربي.

نظرة غربية.

وعلى حورية في هذه الحالة أن لا تغادر بطن فجر.

كي لا تفقد حبالها الصوتية هي الأخرى. ووجهها.

عليها أن تتجنب العيش كما عاشت أمها. وكما تعيش المرأة في الجزائر.

التي تعني عند مانح الجائزة

وعند القارىء الذي يتوجه إليه كمال داود

المغرب وتونس.

والإسلام

والعالم العربي كله

والحجاب

وما يقع في الشرق الأوسط.

و ربما لذلك نال كمال داود كل هذه الحفاوة.

و ربما لذلك يتلقى كل هذا المديح من إعلام اليمين المتطرف.

ومن أوروب 1. ومن سي نيوز.

ومن صحافة تحذر صباح مساء من الإسلام ومن المهاجرين.

وربما لهذا السبب تمت مكافأته بهذه الجائزة الفرنسية الرفيعة.

رغم كل استبداده الروائي

ورغم كل الضغط الذي مارسه على شخصياته

كي تخدم مصالحه الأدبية الخاصة.