حميد زيد – كود//
مستعد أن أدفع أي ثمن كي يدخلوا.
كل ثروتي. وكل ما أملك. مستعد أن أدفعه. وأدفع أقساط سنة كاملة. وأزيد. ولا أشتكي. ولا أحتج.
وعمري أدفعه مقابل أن يدخلوا الآن. الآن. وليس غدا.
وأشتري لهم الكراريس. والأقلام. والوزرة. والكتب. والشيبس. والحلويات. وأنفحهم النقود.
ولن أقول هذا كثير. ولن أقول هذا غال. ولن أقول ثقيل. ولن أقول أين الدولة. أين المدرسة العمومية.
ومستعد أن آخذهم بنفسي وأسلمهم للمدرسة. وللمدير. وللمعلمات.
شرط أن يدخلوا.
فلم يعد لي شيء. ولم تعد لي حياة. ولم يعد لي نوم. ولا يقظة.
وهذه الشقة لي أنا أيضا. وقد احتلوها. وحولوا غرفها إلى ملعب.
وهذا التلفزيون أنا الذي اشتريته. ويحتلونه. ويتفرجون في “ماشا”. وبين 10.
ويغنون.
ويقذفونني بالمخدات. ويتشجارون على الهاتف. والشاحن الكهربائي.
ويضربونني. وواحد منهم مهووس بجر أذني. ويلعب بها. ويمططها.
ثم يلطخون الحائط بالنوتيلا.
وهذا الهاتف لي. وقد سرقوه. وحملوا فيه السنابشات. والألعاب.
وذلك الأيباد الميت حمموه. وغسلوه. ودعكوه بالصابون.
وأكتب الآن. بينما ضجيجهم. وصراخهم. يشوش أفكاري. ويؤثر سلبا على أدائي المهني. ولا حيلة لي.
ولا حل إلا التخلص منهم.
ولن ينقذني منهم إلا الدخول المدرسي.
فتعال يا دخول. تعال بسرعة. وخذ ما تشاء. خذ كل راتبي.
ولا أجاملك إن قلت إن مجيئك لا يقدر بثمن.
ولا أرميك بالورود.
واسأل الناس عن موعدك. وأستعجل قدومك. وأحسد البلدان التي تأتي فيها في وقت مبكر.
وأشاهدك في أمريكا وأحسدهم على دخولهم المدرسي.
فأنا أيضا لي حياتي. وقيلولتي. وهواياتي. ومن حقي أن أتفرج في الموسم الرابع من “بريكينغ باد”.
وأصدقائي انتقلوا إلى مسلسلات أخرى جديدة. بينما أنا مازلت عالقا في هذا المسلسل القديم.
وكل هذا بسببهم. وبسبب العطلة الصيفية التي أراها طويلة. طويلة جدا. وفيها هدر لوقت النشء الصاعد.
ولمستقبل المغرب.
وقد يقول أخلاقي لي علي أن أتحمل مسؤوليتي.
وأن أكون أبا.
لكننا لم نتفق في البداية على هذا. ولم أتخيل يوما أنهم سينتقمون مني مثل هذا الانتقام.
وأنهم سيتشعبطون في. ويزعقون في أذني.
ولو كانت الخدمة العسكرية ملزمة لكل من يبلغ خمس سنوات لوافقت عليها.
ولسجلتهم في أقرب حضانة عسكرية.
ولأرسلتهم إلى الجبهة. بعيدا. بعيدا. عني. وقريبا من الحدود.
فبسببهم صرت لا أقرأ إلا الروايات التي لا تتعدى صفحاتها مائة صفحة.
وتلك المخلوطة بماء الورد.
حتى أني فرحت يوم أمس حين أتممت قراءة الرواية الأخيرة للكاتبة البلجيكية أميلي نوتومب.
وأبكتني قصتها. وأثرت في. وهذا مسيء لي ولسمعتي. ولقراءاتي السابقة. قبل أن يخرج أولادي إلى الوجود.
فتعال يا دخول.
تعال وخذهم.
وأنا الآن في باب المدرسة أنتظر قدومك.
تعال
تعال
فكل الآباء ينتظرونك على أحر من الجمر
ليتخلصوا من فلذات أكبادهم.