هشام اعناجي – كود الرباط//

تدخل الحرب في السودان، بعد أيام قليلة، عامها الثالث، حيث اندلعت في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، لتستمر في حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة؛ فقد أودى النزاع بحياة عشرات الآلاف، وشرد الملايين، وفاقم من معاناة المدنيين الذين يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والماء والرعاية الصحية، بينما تتفاقم الأوضاع مع انتشار المجاعة والأمراض.

ومع استمرار الاشتباكات، تتواصل الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي، القتل العشوائي، واستهداف المدنيين، مما يعكس عمق الكارثة التي تعصف بالبلاد دون أفق واضح للسلام.

ويواصل طيران الجيش السوداني قصف المدنيين العزل في عدة مناطق في إقليم دارفور غربي البلاد، في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون إلى صناعة مساحات للفرح بعيد الفطر المبارك، وسط واقع مضطرب.

ولم يتوقف القصف الجوي حتى خلال عيد الفطر وظل طيران الجيش السوداني يستهدف المدنيين في عدد من المدن في ولاية شمال دارفور خاصة الفاشر والكومة والمالحة، مخلفا قتلى وجرحى وسط السكان، كما تسبب في تفاقم الوضع الإنساني في الإقليم الذي يمنع الجيش وصول الإغاثة اليه، ويستخدم الجوع كسلاح.

وفي مقابل عمليات الترويع التي يمارسها الجيش السوداني ومن خلفه الجماعات المتطرفة، أظهرت قوات الدعم السريع جهوداً للتصدي إلى هجمات الطيران الحربي على المواطنين، وما تخلفه من مجازر وسطهم.

وفي مطلع أبريل الجاري قالت قوات الدعم السريع السودانية إنها أسقطت طائرة للجيش من طراز أنتونوف أثناء قيامها بقصف مدينة الفاشر بالبراميل المنفجرة بولاية شمال دارفور.

وذكرت في بيان صحفي “تمكن أشاوس الدفاع الجوي بقوات الدعم السريع من تنفيذ عملية نوعية أسفرت عن إسقاط طائرة (أنتونوف) كانت تقوم بإلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين العزل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور ومدن أخرى في البلاد”، كما نشر ناشطون سودانيون مقاطع مصورة تظهر حطام الطائرة الحربية التي تم اسقاطها.

عيد بعد مرور خمسة أيام

ويوم الجمعة، تمكن أهالي مدينة الكومة بولاية شمال دارفور، أخيراً بعد مرور خمسة أيام على عيد الفطر، من المعايدة على بعضهم، حيث حبست المدينة انفاسها وغابت ملامح فرحة العيد وخلت الساحات من أصوات التكبيرات بسبب الضربات الجوية التي تتعرض لها بشكل شبه يومي.

وقال سكان بمدينة الكومة إن مدينتهم ظلت تتعرض لقصف جوي مكثف بطيران الجيش السوداني منذ اليوم الأول للعيد، ما دفعهم للاحتماء بديارهم، خشية التعرض للقذائف.

وأوضح أحد السكان أن الطائرة التي كانت تقصف الأحياء السكنية بالكومة غابت يوم الجمعة لأول مرة، الأمر الذي سمح للأهالي بالخروج ومقابلة أقاربهم وجيرانهم لتلقي تهاني العيد.

وكتب إيهاب جزو وهو أحد سكان مدينة الكومة في ولاية شمال دارفور عبر حسابة على فيسبوك “اليوم الموافق الرابع من أبريل هو اليوم الأول الذي لم تقصف فيه مدينة الكومة بطائرة الجيش منذ الصباح وحتى الآن، فتمكن مواطني الكومة من التسوق بالسوق المحلى والخروج في زيارات المعايدة لعيد الفطر المبارك باطمئنان”.

وشدد على عدم وجود ارتكازات أو معسكرات لقوات الدعم السريع باعتبارها منطقة غير استراتيجية إلا أنها تعرضت لأكبر موجة من قصف الطيران بطريقة انتقامية ومسعورة، بحسب وصفه، حيث تعرضت لأكثر من 128 غارة جوية كأعلى منطقة في السودان من حيث عدد الغارات الجوية منذ بداية الحرب رغم ان المنطقة لا تشكل أي أهمية عسكرية وليس بها أي أهداف عسكرية استراتيجية.

استهداف  السكان بشكل عنصري

وأضاف أن السبب الوحيد لإصرار الجيش على قصف هذه المنطقة هو تصنيف سكانها “كأعداء بواسطة بعض الموتورين من ذوي العاهات النفسية والعقلية، إذ أن الحرب اتخذت طابعا عرقيا وأصبح لفظ حاضنة أو متعاون يطلق على كل من ينتمي إلى اثنيات معينة، وهذه تهمة كافية لأن يفقد الشخص حياته حسب بروتوكول جماعة ما تسمى بالحركة الإسلامية”.

وقبل الكومة والفاشر، ارتكب طيران الجيش السوداني مجزرة بشعة حق المدنيين بعد قصف سوق اسبوعي في منطقة طرة في ولاية شمال دارفور مما تسبب في مقتل 400 مواطن وجرح آخرين، وفق جماعات حقوقية في السودان.

وأشار تحليل صحيفة “نيويورك تايمز” للقطات، التي تُظهر عدة جيوب من الأرض المحروقة في أنحاء السوق، إلى وقوع انفجارات متعددة. وفي مقطع فيديو صُوّر في موقع الحادث، قال شاهد عيان إن أربعة صواريخ أصابت السوق، استهدف أحدها مركزه وثلاثة صواريخ أخرى أطرافه.

وتعليقاً على مجزرة سوق طرة، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان الأسبوع الماضي، إنه “يشعر بالصدمة الشديدة إزاء التقارير التي تفيد بمقتل مئات المدنيين وإصابة العشرات جراء غارات جوية شنتها القوات المسلحة السودانية على سوق مزدحم في قرية طرة، شمال دارفور”.

رفض التفاوض لاستمرار القتل

وتحدثت جهات حقوقية وطوعية في السودان عن استخدام الجيش السوداني سلاح كيميائي خلال القصف الجوي على منطقة طرة في ولاية شمال دارفور والذي تسبب في مقتل واصابة مئات المواطنين، بجانب تدمير كامل لسوق محلي يتجمع فيه السكان القرويين لتبادل المنافع والحصول على الاحتياجات المعيشية.

ومن بين تلك الجهات المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في السودان، والتي قالت في بيان صحفي مطلع الأسبوع الماضي، أن “الصواريخ المستخدمة في القصف على سوق طرة كانت شديدة السخونة، وربما تحتوي على مواد كيميائية”، وأضافت “لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية في دارفور، فقد تم توثيق حالات سابقة، أبرزها في عام 2016 في جبل مرة، وفقًا لشهادة منظمة العفو الدولية في ذلك الوقت”.

دعم تركي إيراني

وصعدت القوات الجوية التابعة للجيش السوداني هجماتها في الأشهر الأخيرة بعد حصولها على دعم عسكري من كل من تركيا وايران تضمن مسيرات متطورة.

وأشارت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2024 إلى أن شركات تركية صدرت أسلحة خفيفة، بما في ذلك بنادق صيد وبنادق آلية، إلى القوات المسلحة السودانية، بينما كشفت تقارير أخرى، منها ما نشره موقع “إيران إنترناشيونال” في أبريل 2025، أن الحرس الثوري الإيراني أرسل شحنات أسلحة ومعدات عسكرية إلى الجيش السوداني في مارس 2025، مما يعكس تدفق الأسلحة رغم الحظر الدولي؛ فيما أكّدت تقرير اخرى تلقي الجيش السوداني اسلحة بقيمة 120 مليون دولار من تركيا.

أعمال انتقامية وانتهاكات ميدانية

وخلال الأسبوع الماضي وثق ناشطون لمسلحون من الجيش السوداني والكتائب المتطرفة وهم يقتادون عشرات الشباب على هيئة قطيع من الماشية إلى ميدان عام في ضاحية جنوب الحزام، جنوبي العاصمة الخرطوم، قبل أن قتلوهم رميا بالرصاص وقطع الرؤوس، في مشاهد مروعة أثارت فزع الجهات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، وسط تنديد من الأمم المتحدة.

كما يرفض الجيش السوداني كل المبادرات الداعية الى الحل السلمي للصراع الذي اقترب من دخول عامه الثالث، وهو يضرب موعدا مع تفاقم الازمة الإنسانية في البلاد.