عندما نقوم بملامسة الواقع على الأرض نجد أن الذين يريدون باسم الشعب الإطاحة بالاستبداد ليسوا كلهم ديمقراطيون وليست لهم نفس المرجعية الكونية لمبادئ الديمقراطية، وفي مقدمتهم دعاة دولة الخلافة.
يعتمد صاحب القومة حديثا نبويا فصله إلى مقطعين: المقطع الأول يحاول من خلاله أن يعطي مشروعية دينية وبشكل وثوقي لقيام دولة الخلافة في هذا القرن، والمقطع الثاني يبشر بانتماء رجل قيام الخلافة إلى البيت النبوي حتى يربط الرجل بين قيام دولة الخلافة ونفسه. هذا الحديث الذي يبني عليه صاحبنا مشروعية الدعوة لدولة الخلافة لم يرد في أحاديث الصحاح كصحيح البخاري. والأمر ناقشه علماء مغاربة وأجانب مؤهلون أكثر مني في الأمر وخلصوا إلى أنه ضعيف السند، ومع ذلك فصاحب القومة يتشبت به وأشقى نفسه في تفصيل المراحل الواجبة لتحقيقه من طرف من يسميهم ب«جند الله» تربية وتنظيما وزحفا،ا ويحدد مهمة «جند الله» في كل مرحلة من مراحل ما يسميها بالزحف للحكم.
إن هذه الصرامة والوثوقية في تحديد المرامي والأهداف هي التي تفسر بشكل قطعي حالة الازدواجية
التي تتحكم في دعاة خطاب القومة، التي تعكسها بياناتهم وتصريحاتهم التي تتراجع فيها إلى الخلف تفاصيل دولة المستقبل لفائدة إغراق مكثف حتى الملل في تفاصيل الحالي القابل للمراجعة على أمل الوصول إلى تحالفات مرحلية مع بقايا أطراف تعيش على هامش الدينامية الديمقراطية ولازالت تحن إلى النظام الستاليني الذي تقوض مع سقوط جدار برلين.
الشعب يريد أولا الوضوح في الأهداف والمرامي من طرف كل الأطراف لكي يختار وعلى بينة لأنه المصدر الأول والأخير للمشروعية. أن يختار بين دولة الخلافة والدولة الديمقراطية، أن يختار بين الشمولي والاستبدادي والديمقراطي، أن يختار بين الأفق الذي فتحه 9 مارس وبين نموذج1 فبراير بإيران و17 أكتوبر في روسيا. نعم، الشعب سيد نفسه بعد الوضوح أولا. هناك من يسعى الآن إلى أن ينحصر النقاش حول هيأة التأسيس، منتخبة أو غير منتخبة، وهذا النقاش عاشه المغرب في الستينيات من القرن الماضي داخل الحركة الاتحادية وخارجها، ومحطات 1975 مع المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي و1997 تاريخ بداية التناوب التوافقي، هي أول فجوة في الأفق المطلوب الذي نعيشه حاليا يجعل هذا النقاش غير جوهري وأن الأساس الآن هو مضمون الإصلاحات ومدى المراجعات المطلوبة المبنية بالمطلق على المشروعية الشعبية، مشروعية المسِؤولية والمحاسبة السياسية للمؤسسات والأشخاص. إنه
الجوهر الذي يطغى على الشكل…
بلغة المثاقفة والطهرانية السياسية، الشكل يجب أن يكون قبل الجوهر ولكنه تاكتيك جربناه ولسنوات ولم يفرز إلا هامشية الموقف وضعف التأثير وسط الشارع وداخل الحقل السياسي لم تنهض منه القوى الديمقراطية إلا بعد 13 سنة من المواجهة المفتوحة، جربت فيها كل الوسائل، بما في ذلك خيار مولاي بوعزة أو «طريق أبطال بدون مجد» كما سماها الشهيد محمد بنونة.
تحصين الأفق الديمقراطي بسقفه المطلوب المعلن الذي راكمته نقاشات ومقررات المؤتمرات الوطنية للأحزاب الديمقراطية التقدمية. هي مسألة مبدأ تقتضي فيما تقتضيه الفرز بين المكون الديمقراطي وغيره في إطار اصطفاف يؤسس لمغرب المستقبل القابل للحياة بعيدا عن ميكانيزمات الانتكاسة التي لا ترى في المرجعية الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان إلا ما يخدم خطابها البكائي حول مظلوميتها كأصل تجاري لن يعمر طويلا.
إن من قواعد الوضوح وحرية التعبير الجوهرية أن يكشف الذين لايؤمنون بالملكية، بسقفها المتطور، برنامجهم وأن تكون لهم الشجاعة لإعلانه اليوم قبل الغد حتى يتبين للشعب التطورات كلها وله آنئذ أن يختار الأفق الديمقراطي أو يختارهم عوض التمترس وراء بيانات تعتم على المستقبل وتقف طويلا عند ماضي الأشياء الذي لن تحتكره طويلا، وهي تجارة لا بد أن تبور والكلمة للشعب.