أقول هذا وأنا أرى بعض الأسماء التي تعتبر من عاشقي هذا المهرجان والمترددين عليه كأفراد وأسر وصداقات، قد بدأت تروج لشعار الإلغاء، وأنا لا أفهم هذا الانقلاب الذي يشبه الكثير من الانقلابات لكن مع وجود الفارق، إن الأمر يتعلق»بالفن»، أقول هذا في سياق لم تعد فيه حتى السياسة تحتمل الانقلابات المباشرة، وبالأحرى الفن، أقول هذا وأنا استرجع لحظة المهرجان والرباط تتألق على امتداد أسبوعين في أكثر من مكان، وبتوزيع لافت للمنصات الفنية على مختلف جهات الرباط، والأجمل في ذلك هو إقبال تلك الحشود والتي تعد بالآلاف، ومن مختلف الفئات، على مدى الساعات قبل وخلال انطلاق العروض الفنية كل مساء، الذين يدعون إلى إلغاء مهرجان موازين هم أنفسهم الذين يدعون أنهم يتحدثون باسم الشعب، فلماذا لا يحترمون هذا الشعب الذي يتألق بذلك الحضور الحضاري في موازين قبل تألق العرض الفني بهذه المنصة أو تلك.
يبدو وكأننا في حالة يريد لنا البعض فيها أن نعلق كل شيء، أن نعلق النقاش وإعمال العقل والتناظر حول العام والخاص والأخص في علاقة بمختلف القضايا التي هي موضوع مناشدات للتغيير، وذلك بمبرر أن اللحظة لا تحتمل الذهاب في اتجاه التفاصيل، لأن ذلك سيتم «حسب هذا المنطق» على حساب « ثورية هذه اللحظة» وسيزيحنا ذلك حسب نفس المنطق عن الأساسي، عن الخصم الطبقي وعن النظام، وهو المنطق الذي لا يمكن الاطمئنان إليه، لأن التعاقد لا يهم مجالا دون آخر، وقضية دون أخرى، ورأيا دون آخر، ولأن سجلات جميع الحقوق والحريات تقع في قلب التعاقد، والفن أحد عناوين هذا التعاقد، والذي يبدأ بالمساس به اليوم سيمس باقي الحريات غدا، وهو المنطق أيضا الذي لا يمكن الاطمئنان إليه لمسألة بسيطة مفادها بأن من لا تفاصيل له لا مستقبل له، فالموقف لا يمكن التأسيس له بناء على الهشاشة، الهشاشة في المعطيات وفي التصورات وفي الرؤى، والتمرس فقط في التواصل عبر الشعار، وفي لعبة التجلي والخفاء، وفي القفز على نصف الكلام، وفي ملء الدور الكامل فقط كساعي بريد، هل سنلغي الفن ونبني له المشنقة؟ وباسم من؟ باسم بركة أم باسم تنسيقية «وطنية «، أم باسم 20 فبراير كما يدعي البعض وهو يصوغ باسمها المطلب في البداية، على حائط الفايسبوك، أو من خلال بعض التظاهرات وخاصة مسيرة 24 أبريل بالرباط مثلا؟

أتساءل على مضض لأنني لا أريد أن أقحم اسم شباب 20 فبراير، لسبب بسيط وهو أنني أستبعد أن تكون الدعوة إلى إلغاء المهرجان دعوة شباب، من مختلف المشارب، لأننا نتلمس فعلا كون أهم مكتسبات هذه الدينامية العامة في اتجاه التغيير، هي التأهيل الديمقراطي الذي كشف عنه الشباب، الفاعلون الجدد يوم 20 فبراير و 20 مارس.
لذلك وإذا كان الأمر يتعلق بإلغاء المهرجان فليمدنا الداعون لذلك بمنطقهم وحججهم، وسندهم كاملا وقبل هذا وذاك بتوقيعهم واضحا على النداء؟

فإذا كان الأمر يتعلق بلا شفافية التدبير وباحتمال وجود اختلالات، فهناك مجال لإحداث آليات للرقابة والمراقبة يكون قلبها النابض هو هؤلاء أنفسهم، ولا أعتقد أن أحدا سيكون ضد مطلب العقلنة وحكامة التدبير..

وإذا كان الأمر يتعلق ببعض المؤسسات المانحة، واستياء أصحابها مما يسمونه «ابتزاز مؤسساتهم لدعم المهرجان»، فلا أعتقد بأن أصحاب هذه المؤسسات وهم يرفعون مطالب التغيير في الشارع، أو يلتحقون بها، أو يساندونها على مسافة، سيكون صعبا عليهم بعد اليوم أن يقولوا «لا» أو يناقشوا الطرف المنظم بخصوص تصورهم واقتراحاتهم والشكل الذي يرتضونه لدعم المهرجان، وإذا كان الأمر لا يتعلق بهذا ولا بذاك ولا بهما معا، فإن مطلب «إلغاء موازين» يتلبس كل ذلك دون تواضح مع الناس، وفي استغلال ماكر للحظة، وينضاف الى هذا الاستغلال الماكر للحظة، الهزالة التي عكسها نواب ونائبات بعض الفرق البرلمانية، حين شحذوا أسلحتهم، عفوا أشهروا أسئلتهم، من جيوب المقاومة للمهرجان، بمبررات أقل ما يقال عنها رثة، إلى درجة ستنسى معها السيدة النائبة من الفريق الحركي بأن عمر المهرجان 10 سنوات، وأن دخولها المؤسسة التشريعية يزامن ميلاده وأعياد ميلاده العشرة، لوجودها بهذه المؤسسة على مدى ولايتين، فلماذا هذا الانقلاب فقط خلال هذه السنة وهذه الدورة الربيعية التي تصادف خريف الاستبداد في أكثر من مكان، إنها الأسئلة الرثة والتي لم يقابلها سوى بؤس جواب الوزير، «وزير الثقافة» عليها، وصمت الجدران في قبة البرلمان، لكن مكر الصدف يريد أن يؤكد من جديد بأن الطيور على أصنافها تقع، فالذين يختبئون وراء شباب 20 فبراير من أجل إلغاء مهرجان موازين، و يفرحون بصوت التحفظ من المهرجان، الداعم للإلغاء والقادم من داخل البرلمان، ينسون أو يتناسون مطلبهم بخصوص حل هذا البرلمان، كما ينسى معه هؤلاء البرلمانيون والبرلمانيات في تهافتهم لتلقف المطلب، بأنهم موضوع مطالبة الطرف الأول بشطبهم من مؤسسة رسبوا فيها مرارا وتكرارا وهم يستقرون في نفس المستوى دون إعمال لآلية «الطرد»، والتي لا تحسن الدولة تفعيلها سوى في حق «البراءة» حين ترمي بالتلاميذ بسبب الرسوب، أو الغياب خارج الأقسام والمدارس.