محمد الجرفي: عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية////

سارعت الأحزاب السياسية المغربية، أغلبية ومعارضة، بعد دعوة الملك محمد السادس المغاربة إلى إلغاء شعيرة الأضحى،إلى التنويه بهذا القرار، والإشادة به، واعتباره ضرورة اجتماعية واقتصادية. المواقف الجاهزة للأحزاب، غداة الخطب الملكية والمبادرات التي يطلقها، أصبحت تقليدا يعكس ركوب الهيئات السياسية، على القرارات الملكية، وإعادة تسويقها، كما يفسر عجز الهيئات التي أناط بها الدستور تأطير المواطنين. تواري الأحزاب إلى الخلف، واكتفاءها بالتنويه والإشادة بقرارات عاهل البلاد، يجرنا إلى التساؤل عن دورها، ووظائفها، ومدى استمرار الحاجة إليها في ظروف بالغة التعقيد سياسيا، اقتصاديا، واجتماعيا، دون إغفال التحولات المتسارعة، والتي أفرزت واقعا جديدا، لا زال قيد التشكل، بما يطرح تحديات جدية أمام مؤسسات الوساطة السياسية.

وعندما أطالع مقالا نشر بتوقيع نبيل بنعبدالله، الأمين العام لحزب اللتقدم والاشتراكية، أتصور أن كاتبه، شخص يعيش خارج الوطن، أو خارج الزمن السياسي الوطني، وليس مسؤولا سياسيا، يتحمل قيادة حزب تقلب على مدى ربع قرن، بين عضوية الحكومة، والاصطفاف في المعارضة.

هذه النزعة الانتقائية، والتعاطي الانتهازي مع المحطات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، هي ما يعيب الفاعل السياسي الوطني، وما يحمل أيضا الرأي العام على عدم تصديق كل ما يصدر عن السياسيين، بعد سنوات من تكرار نفس الخطاب، وبعد خيبة المحطات الكبرى، وتبخر الآمال والأحلام في حكومات وطنية، من الشعب وإلى الشعب، بنفس سياسي واقعي، عقلاني، متدرج، وبنتائج ملموسة، وأثر مستدام على معاش الناس في حاضرهم، ومستقبلهم.

صحيح أن الأربع سنوات الأخيرة، وهي عمر الحكومة الحالية، كانت ثقيلة جدا المغاربة، قاسية على الجيوب، منهكة للعقول، والخوف كل الخوف، أن تمتد هذه السنوات لتسرق من المواطنين الأمل في واقع أفضل.

لا يختلف اثنان على أن حكومة التحالف الثلاثي، وعدت للمغاربة بمنسوب مرتفع، قياسا لكل الحكومات السياسية السابقة، كما لا يختلف المغاربة، أن ما بقي من هذه الولاية لن يكون خيرا مما انقضى منها.

قبل هذه الحكومة، لم يعش المغاربة، عصرهم الذهبي، ولا السنوات المجيدة، مع حكومة سعد الدين العثماني، لكن المقارنة بمنطق المفاضلة بين السيء والأسوأ ترجح كفة حكومة العثماني.

قبل هاتين الحكومتين، لم تنجح حكومة بنكيران في الوفاء بالمطالب الشعبية الكثيرة المنتظرة، ولا جاهزة لتنفيذ برنامجها، والوفاء بالتزاماتها. رحلت تلك الحكومة، وفي زمنها الضائع واجه المغرب، معضلة تدبير حراك الريف في شقه الاجتماعي، وتحدياته الأمنية.

صحيح أن الحكومة الحالية، لا تلبي تطلعات المغاربة، وهي في موقف العاجز عن إبداع حلول تلائم احتياجات المواطن. لكن هذه الوضعية، ليست مبررا لكل متربص باستغلال هذا المناخ الاجتماعي المتردي، لتسويق سردية سياسية تتغذى من فشل الحكومة، دون أن يعطي الدليل على أنه يملك حلولا واقعية، انطلاقا من الاكراهات المتشابكة وطنيا ودوليا، ودون سجل سوابق سياسية، يخلو من شغل مناصب حكومية دون تحقيق إنجازات تذكر، اللهم ما كان من التدبير اليومي للقطاعات الحكومية بما يؤمن السير العادي، دون بلوغ مستوى خفض الاختلالات المرصودة، وتحقيق مؤشرات ملموسة تنعكس على المعيش اليومي للمواطن.

بلوغ غالبية المواطنين حالة يأس متقدمة، من واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الوضع الراهن، لا يعني أن بلوغ التعافي من هذا الوضع، قد يتحقق بحكومة جديدة، في أفق الاستحقاقات السياسية المقررة صيف العام 2026. فقد أثبت التجارب السياسية، أن تعاقب وتغير الحكومات لا يعني تغير السياسات، بقدرما يعني تغير المواقع، وتبادل الأدوار، وتدوير الأسماء، واستدعاء الاكراهات والمعيقات، لتبرير الوضع، والتملص من تحمل المسؤولية والإقرار بالفشل، مع ما يترتب عنه من تبعات.

وعندما يتعلق الأمر بأزمة فشل مزمنة تحاصر الحكومات المتعاقبة، فإن تشخيص هذا الوضع يقتضي استعراض الوضع في شموليته وإطاره العام، بدل الاستعانة بالأرقام والمؤشرات، والاختباء وراء الإكراهات لدرجة البحث عنها، وتضخيم أثرها، وأساسا تقييم أداء الفاعل السياسي. وكلما اشتدت أزمة سياسية بتداعيات اجتماعية واقتصادية عصيبة، وجدت الحكومة في المناخ الاقتصادي الدولي، وإرث الحكومة السابقة، والاكراهات البنيوية الطبيعية، كالجفاف، الشماعة المناسبة لتبرير فشلها، دون أن تملك شجاعة الاعتراف بسوء أدائها، وعجزها السياسي والتدبيري.

وإذا كانت الحكومة تسعى دائما للبحث عن سبب لتفسير شيء لا يسير على ما يرام، فإن المعارضة، تبحث عن أشخاص لتحميلهم مسؤولية الوضع، وهو ما يقود إلى تقزيم مكونات هذه الحكومة، والطعن في كفاءتها، وتسفيه اختياراتها. نحن إذن إزاء أدوات متغيرة، لتفسير وضع ثابت، وهو ما يعني أن ما تدعيه الحكومة من مبررات وأسباب، لا يد له فيما وصلت إلى الأمور، وأن ما تفسر به المعارضة الفشل والعجز ليس صحيحا، في غالب الأحيان. في وضعنا المغربي الراهن والمأزوم، تتنافس طبقة سياسية عاجزة، لتبرير المشهد العام، بمنطلقات نفعية، لا تخدم مصالح المواطن، ولا تعبر عن مطالبه، ولا تستحضر هواجسه. لذلك يبدو غير طبيعي اليوم، أن تستمر محاولات استبلاد المواطنين، والاتجار بمعاناتهم التي وصلت مستوى غير مسبوق، طالما أن الوجه الآخر لأزماتنا السياسية الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية، ليس سوى تهافت الساسة على إنكار واقع التردي السياسي. لذلك عندما يتصدى فاعل سياسي بتاريخ نبيل بنعبد الله، بكل سوابقه في شغل المناصب الحكومية، وفشله، وخيباته، وإصراره على حياة مديدة في مشهد سياسي عبثي، لمعضلة سياسية مجتمعية، نكتشف أن مزيدا من العبث والتضليل يتربص بمواطنين يبحثون عن الخلاص من طبقة سياسية منافقة، متقلبة، وانتهازية، تدير مصالحها، عبر الاستثمار في أزمات البلاد والمواطنين.

بنعبدالله، شارك في ثلاث حكومات متعاقبة منذ سنة 2002، ويصر على إطالة عمر سياسي، خارج دائرة القبول المجتمعي، وعبر كل السبل، متقلبا في جبة المنظر الديمقراطي، كلما تعلق الأمر بتصريف المواقف، والتواصل السياسي، وجاثما على صدر حزب احتفل بذكرى تأسيسه الثمانين، قضى منها نبيل خمسة عشرة سنة كمسؤول أول له، أغرق فيها الحزب بكل الأمراض والأعطاب. وأتصور أنه لو استفتينا المواطنين المغاربة، بسؤال يستطلع آرائهم حول إمكانية حدوث تغير في واقعهم الحياتي والمعيشي، لو استبدلنا أخنوش بنبيل بنعبدالله، أو ادريس لشكر، أو محمد أوزين، من مسؤولي أحزاب المعارضة، لكان الجواب بالإجماع سيكون قطعا هو لا.

ما تخفيه الأحزاب، وقادتها، من أمثال نبيل بنعبدالله، أن معضلة المشهد السياسي، ترتبط بعدم قدرة الأحزاب على التخلص من الحمولة الزائدة، لمسؤولين، لا يقاربون مصالح الوطن والمواطنين، إلا بمنظار مصالحهم وحساباتهم. لقد تحمل بنعبدالله حقيبة وزارية اجتماعية في حكومة بنكيران، عندما كان وزيرا للسكنى والتعمير وسياسة المدينة، ولعل حصيلته في هذا المنصب، خير وسيلة لتقييم جدية ومصداقية خطابه السياسي.

كما تحمل قبل ذلك مسؤوليات أخرى في الحكومة، وقد كان ناطقا باسمها، ذات زمن سياسي، وإذا عدنا لتصريحاته لوجدنا أنه يتحدث عن تلك الحكومة كما لو أنها حققت ما لم تحقق غيرها، لنصل إلى حقيقة أن خطاب المشارك في الحكومة، لا يشبه خطاب المعارضة. ولو كان نبيل بنعبدالله، وغيره ممن حولوا الأحزاب إلى تجمعات للانتهازيين، والفاشلين، والأشباح، ومناضلي الأصل التجاري، يحترم نفسه، ويحترم تاريخ الحزب الذي يترأسه، لغادر الحياة السياسية في جنح الظلام، وقد شارك في حكومات متعاقبة، قذفت بالمغرب في مراتب متأخرة في مؤشرات، التعليم، الصحة، والسكنى، فليخبرنا بنعبدالله عن تصنيف المغرب في عدد من المؤشرات، خلال مشاركته في ثلاث حكومات متعاقبة.

وإذا كانت الطبقة السياسية المغربية تجد في الإكراهات الطبيعية، والواقع الدولي، أسبابا تختبئ ورائها، فإن المواطن المغربي بات يعرف يقينا أن محنة البلد برمتها تتحملها طبقة سياسية ترفض العيش بعيدا عن السياسة بعد أن حولتها إلى أصل تجاري صالح للمضاربة في كل زمن.