بزيز: أنظمة الاستبداد تحمل في أحشائها أسباب فنائها..

في حوار من هذا القبيل، مع الفنان الساخر أحمد السنوسي، المعروف باسم “بزيز” ، تأسرك كلمات ذات دلالات عميقة، فهو حين يصر على أن يشاطر كل مظلوم صرخاته، إنما يصنع ذلك لإيمانه بأن “الفنان حين يتشبع بمواطنته كاملة غير منقوصة قادر على أن يغادر هوامش “النخبوية” المفروضة تعسفا على دور الفنان في محيطه المباشر”. يقول الفنان أحمد السنوسي في هدا السياق: “في وقت سابق لم يعد أمامي من خيارات سوى عصا الترحال، أهش بها على كوابيس المرحلة فقصدت باريس وانخرطت في أحد أرقى معاهدها المسرحية لكي أختبر أدواتي الفنية وأصقلها، وهو ما تحقق لي، وقد كان هدا الخيار بمثابة مقاومة حقيقية بالرغم من مرارة مغادرة الوطن الذي لم أغادره قلبا ووجدانا ليقيني بأن منظومات القمع في أي مكان في العالم مآلها الاندثار”. وعلى الفنان، يستطرد السنوسي، “ألا يلقي بالا لأنظمة الفساد التي تحمل في أحشائها أسباب فنائها”.

* كيف قرأت قمع المحتجين يوم الأحد 13 مارس، علما أنك نلت نصيبك من العصا؟
– يوم الأحد 13 مارس بالدار البيضاء، المدينة / الرمز الحافل تاريخها بالرفض الشعبي للأقوال غير المتبوعة بالأفعال الملموسة، سقطت شعارات الانفتاح على الرأي الآخر، أي على  رأي الأغلبية الساحقة، حين لجأت الأقلية التي اختارت مند نصف قرن معسكرها، أي معسكر العنف ومطاردة الحق في التعبير الحر، وتعاملت مع تظاهرة سلمية تندرج ضمن المسار الوطني الذي انطلق بعفوية وتلقائية للمطالبة بالحرية والكرامة فاختار حاملو الشعارات أن يستعيدوا هويتهم الحقيقية لحاملي هراوات تهاطلت ضرباتها بغزارة وكسرت عظام المتظاهرين المسالمين، وكان لي شخصيا نصيب وافر من ضرباتها، حيث وجدت نفسي رفقة شباب وشابات وكهول وشيوخ في المستشفى أتلقى علاج ما يمكن علاجه.
وبعيدا عن حالتي الخاصة، فإنني أندهش –رغم أنهم منعونا حتى من حق الاندهاش – لمنطق التبريرات التي قاموا بتنزيلها من أجل تعليل الهجوم الوحشي على المتظاهرين، إذ زعموا أن الوقفة الاحتجاجية كانت ستتحول إلى مسيرة، والمسيرة تحتاج في نظرهم إلى ترخيص مسبق.
وأعتقد شخصيا أنه كان من الواجب عليهم أن يسروا بهذا المنطق إلى منتهاه، ليشرحوا لنا من رخص لأقلية كي تمتلك ثروات الوطن جملة وتفصيلا، فيما يصنف الشعب المغربي في ذيل قائمة الشعوب التي تعيش تحت مستوى الفقر، شعوب إدا ضمنت قوت يومها لا تستطيع أن تراهن على ما يحمله الغد من أهوال وحرمان.
والخلاصة أن الشعارات لا يمكن لها أن تتحول إلى مشروع مجتمع ناجح، فما نجحوا فيه حتى اليوم هو إرساء مشروع وحيد يقوم على القمع والمنع ومحاصرة الحريات الفردية والجماعية وتحقير وعي الشعب، وهو مشروع لم يبحثوا له عن ترخيص وراهنوا على الاستثمار فيه إلى أبد الآبدين.

* ألا تعتقد أن الإصلاحات الدستورية ضمانة لحدوث تغيير في المغرب؟
– المغرب دخل مرحلة الدسترة الوهمية منذ عام 1962، أي سنوات معدودة كان المغرب يحاول فيها مداواة الجراح الغائرة التي تركها المستعمر كألغام موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، لدلك اعتبر أحرار الوطن أن الدستور المقترح دستور ممنوح خارج الشرعية الشعبية، ورفعوا شعار: “لا، لدستور 1962، وشعار “لا” لدستور 1972 لكونهما غيبا إرادة الشعب، وكدا “لا” للتعديلات الجزئية لدستور 1996 التي كان الهدف منها در الرماد في العيون وإيهام الأحزاب بأن السلطة قد استجابت لبعض مطالبها، فيما هي في الواقع ركزت الأوضاع السابقة بحيل ترقيعية وتشريعية جديدة، تلبس النظام لباسا حداثيا في حين يخفي جلبابه حقيقة ساطعة كالشمس تتمثل في عدم إيمانه بالدساتير ورفضه للاستشارات الشعبية، إن لم يكن هو المتحكم في نتائجها قبل إجرائها وبعدها.
من هدا المنطلق، يكون من قبيل العبث الاعتقاد بأن الجلباب المخزني يمكن أن يخفي قناعة بفصل حقيقي للسلط، وباستقلال القضاء وبالنهج التشاوري والتشاركي، فأقصى ما يمنحه هو التغيير الشكلي الذي لا يمس الجوهر، فلو طرح المخزن الخيار الدستوري الحقيقي، لكان الأمر يتعلق في نظره بعملية انتحارية، وهو الذي اعتاد على إفراغ الجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي والقضاء من حمولته، ووضع آلاف العراقيل حتى لا يتمكن الشعب من ممارسة حقه الرقابي وحق المحاسبة في نظام ضمن حق الإفلات من العقاب للحاشية والبطانة والمقربين والوسطاء والسماسرة الدين لهم دستورهم الخاص، وهو دستور غير مكتوب ولا يحتاج إلى استفتاء شعبي، لكن كل من خالف بنوده ومقتضياته يتعرض للنبذ والإبعاد.
تكررت هده المأساة في المغرب، فمن وثق في الانتخابات اكتشف التلاعب في صوته وإرادته، ومن وثق في المؤسسات التي لم ينتخبها أحد تابع قواعد لعبها القائمة على الغش والتدليس.

 لماذا تحاكم النوايا؟ *  
 واحنا ديما عايشين غير مع النوايا والوعود، فالإصلاح الدي تتكلم عنه السلطات الناس ما تايقينش حتى يشوفو بعينيهم، فهل ستستقيم الإرادة بالمراهنة على المستقبل ونفض اليد من ممارسات الماضي القريب والبعيد؟ الله أعلم..
 في المجال الدي كنت دائما ممنوعا فيه، ألا تلاحظ اليوم أن هناك حديثا جديدا في التلفزيون قوامه كسر الطابوهات السياسية التي كانت تقيده؟
الإعلام العمومي متخلف، وتفصله سنوات ضوئية عن تطلعات المواطنين/ وقد ساد الارتباك في مكاتب الرئيس المدير العام الدي تم تعيينه من خارج عائلة الإعلام لكي يدير شؤون القطب السمعي البصري، عملا بمقولة إسناد الأمور إلى غير أهلها.
ولم نعرف ما هي طبيعة الدوش البارد الدي صب فدأة على رأسه، لكي يسارع إلى حشد أطر الإداعة والتلفزة العمومية ليلقي أمامهم خطبة عصماء برأ فيها دمته من رداءة المنتوج وقمع حرية التعبير، وحمل المسؤولية للأطر بالرغم من أنها مكممة الأفواه، وإرادتها الإبداعية مصادرة، علما أنه هو نفسه لا يملك قراره. وقد رأينا كيف تنفجر القدرات الإبداعية والمهنية لأطر وصحافيي القطاع العمومي حين يغادرون قنوات البريهي وعين السبع إلى الفضائيات الدولية

عن يومية “أخبار اليوم”