فالمشرع حينما أفرد لبعض المدن الكبرى وضعا خاصاواستثناها من مقتضيات القانون العام السارية على كافة المدن الأخرى، فإن ذلك كانبمثابة رغبة منه لدواع سياسية تروم عدم تعطيل مصالح المدينة الكبرى المشمولة بهذاالاستثناء، كأن تكون هي عاصمة الحكم أو أن يكون ذلك مرتبطا بإرث تاريخي أو الرغبةفي تسويق صورة الدولة من خلال النموذج المشرق لإدارة تلك المدينة (مثلا قوانين: الرباط، واشنطن، باريز، بروكسيل، برلين… إلخ).
تأسيسا على هذا يحق للمرء أنيطرح حصيلة إدارة المدن الكبرى في بلادنا فوق الطاولة ويقارن بين تلك التي يسيرهاوال مباشرة بمقتضى «الحق المخزني» المنفلت من صرامة المراقبة الشعبية وبين تلك التييسيرها منتخب قادم من «تربة الشعب» .
فالرباط – وهي نموذج المدينة المحكومة منطرف الولاة – تعيش الزمن الصفر في تدبير النقل الحضري، ولم تفلح إلى اليوم في تمكينساكنتها من التوفر على طوبيس واحد يشتغل على مدار الساعة، رغم الإمكانات الماليةالهائلة التي وضعت ورغم الترسانة المتساهلة التي خصصت للرباط ورغم سياسة غض الطرفعن التجاوزات التي حظيت بها عاصمة الحكم. إذ أن المواطن الرباطي لم يتجرع سوى مرارةالخيبة بسبب الكارثة التي أوصل إليها المسؤولون هذا المرفق، وهي الخيبة التي تنضافإلى فشل سياسة مدن بدون صفيح وعدم القدرة على إزاحة براكة واحدة من الرباط رغمانطلاق البرنامج عام 2004، وهي الخيبة التي تنضاف أيضا إلى الانفلات الأمني لدرجةأن الحي الجامعي بالرباط أضحى مضخة لإنتاج القلاقل والمصاعب ليس للعاصمة وحدها بلللبلد بأكمله.
إذا كان هذا حال التسيير بمدينة مغلقة(verouillée) بإحكام من طرفالوالي، فما بالنا بالمدن التي يقال إنها تدار من طرف ممثلي السكان؟
إن استحضارواقع مدينة سلا والاقتتال الدائر في عاصمة القراصنة، واستحضار أزمة الدارالبيضاءو«البلوكاج» الذي وصلت إليه العاصمة الاقتصادية، واستحضار انحسار مدينة مراكشوالإجهاد الذي تعانيه العاصمة السياحية، واستحضار الحرب الأهلية الدائرة في طنجةوالبلقنة التي تشهدها عاصمة البوغاز، واستحضار الصراع بالعيون الذي كاد أن يحدثالفتنة بين الأحزاب بعاصمة الصحراء، واستحضار سياسة الضرب تحت الحزام بأكادير وماتلاها من تعطيل مسار عاصمة سوس، ينهض كحجة للمطالبة بوقفة تأمل لمعرفة أسباب فشلحكامة الولاة وحكامة الرؤساء على حد سواء وعجزهم عن جر مدننا نحو الأحسن ونحوالأعلى، وأيضا التساؤل بخصوص السبب لمعرفة هل العيب في المنظومة القانونية أم العيبفي بروفيل من يتولى قيادة هذه المدينة أو تلك. فلو اقتصرنا على المدن الست التيذكرنا سنجد أن الأمر يهم سبعة ملايين نسمة، أي ما يمثل ربع ساكنة المغرب، وسنجد أنالأمر يهم المدن الست التي تساهم بـ 80 إلى 85 في المائة من الناتج الداخلي الخامللبلاد، وسنجد أن هذه المدن تأوي أربعة موانئ كبرى وتضم المطارات الرئيسيةوالجامعات الأولى بالبلاد وتأوي جل الأحياء الصناعية والخدماتية والسياحيةبالبلاد.
وبدل أن نتفاخر بين الأمم بكوننا نجحنا في ترقية المدن المتوسطة إلى«نادي الكبار» ها نحن نشهر إخفاقنا بإنزال المدن الكبرى إلى رتبة المراكزالقروية.
فبعد أن صودر حق السكان في معرفة كيفية إدارة هذه المدن، أليس عارا أننصادر حتى حق هؤلاء في التقييم وفي الوقوف ولو لدقيقة لنتساءل: أين الخلل؟ اللهمإلا إذا كانت هناك أطراف تود أن تقنعنا بجدوى شعار: «بحال اليابان بحال اليمن. اللهيرزق غير الصحة والسلامة» .
افتتاحية العدد 427
الخميس 28 أبريل 2011