ولا أفهم ما الذي ينتظره شاعر مثلا من وزارة الثقافة، ورغم كل الجهد الذي أبذله لا أستوعب دافعه للصراخ وترديد الشعارات والمطالبة برأس الوزير.

المبدع كما أعرف يحتاج إلى خلوة ليكتب نصوصه، وليس إلى وزير يحتج عليه، ولو طالب هؤلاء المثقفون بإلغاء وزارة الثقافة، لقلت أنتم على حق، وأنا في صفكم، لكنهم لم يفعلوا، لأنهم يريدون رأس الوزير، ليأتوا بغيره ليكافئهم على عبقريتهم.

الشعراء لا يحتاجون إلى وزارة ثقافة، بل إلى وزارة خيال، ترأسها أحلامهم.
المخجل أنهم يريدون أن يشكوا به إلى الجهات العليا، أي إلى الملك.
شعراؤنا وروائيونا وكتاب القصة في بلادنا السعيدة أنهوا أعمالهم وكتبوا روائعهم، وتفرغوا بالكامل لسالم حميش، ينتظرون الفرصة المناسبة لفضحه أمام الملك.

إنهم حداثيون وديمقراطيون ويساريون  وسرياليون ويلجأون مع ذلك إلى الملك لينصفهم.
وليثبتوا  في وقفتهم أنهم وطنيون فقد قرأوا بيانا يؤكدون فيه أنهم مع الوحدة الترابية للمغرب وأوفياء للعرش.
الأمر مخجل حقا أن يصدر كلام مثل هذا عن مبدعين وفنانين يرددون نفس اللازمة التي نسمعها في التلفزيون.

كما أني أستغرب لبعض الأصوات التي تريد أن تعيد النظر في عضوية سالم حميش داخل اتحاد كتاب المغرب، وأخرى تناضل من أجل سحب الجوائز العربية التي فاز بها، وتسعى إلى التشهير به وترويج صورة سيئة عنه في المشرق.

قراء حميش يعرفون أنه أحد أهم الروائيين المغاربة والعرب، ومن الممكن أن يكون وزيرا فاشلا، لكنه كاتب متميز، و من العيب أن يفكر مثقف مغربي بإلغاء جائزة حصل عليها ويرفع شعارا للنيل من قيمته، مثل هذا السلوك يحدث في دول مثل سوريا وفي الأنظمة الشمولية، التي تتحكم فيها اتحادات الكتاب في أنفاس المبدعين وتزج بهم في السجون، ولولا الخجل، لطالبوا عندنا بسحب الجنسية المغربية من سالم حميش سيرا على خطى أشقائهم.

أما الفنانون فتلك قصة أخرى، فبعضهم غاضب من حميش لأنه حرمهم من منحة أداء مناسك الحج.
ولا أحد يمكن أن يجد العلاقة التي تجمع بين الحج والمسرح مثلا، أو بين العمرة و قصيدة النثر.
لكن، لنكن صرحاء، هناك أسباب وجيهة تحرك الذين حبكوا خيوط الحملة ضد وزير الثقافة مطالبين برحيله.

فلقد أبان حميش عن شح لا مثيل له، وحال دون حصول بعض المبدعين والنقاد  على رشاوى وعمولات تعودوا على قبضها من الذين سبقوه.
حميش نفسه لم يكن كريما مع بعضهم، ورفض منحهم مناصب ليشتغلوا كموظفين أشباح، كما كانوا يفعلون في العهد السابق.
حميش منعهم أيضا من السفر رغم أنهم يتوفرون على جوازات وبطاقات عضوية في اتحاد الكتاب وبيت الشعر، وحرمهم بذلك من تغيير الجو.
البخيل، لم يوزع الألف درهم عليهم في معرض الكتاب، في القصة الشهيرة، التي كانت بمثابة الشرارة.
وبعد ذلك قطع الأرزاق والمنح والمكافآت.

قال لهم حميش بطريق غير سياسية إن وزارة الثقافة ليست بقرة حلوبا فثاروا.
حميش أيضا دخل في صراع مع أحد أصدقائهم، ووقع دون أن يدري ضحية تحريض رخيص، حيث أصبحت عنده وزارة أخرى داخل وزارة الثقافة.

لهذه الأسباب ربما يطالبون الآن برأسه وينوون توجيه رسالة إلى الجهات العليا.
الحكاية بئيسة في مجملها، وتظهر كم هي الثقافة بئيسة في هذا المغرب.
إنه سلوك فاشستي أن يطالب عضو مسؤول في اتحاد كتاب المغرب بطرد سالم حميش، ويوجه نداء إلى الجهات التي منحته جوائزها كي تلغيها في الحين.

إنه فكر العصابات والشللية وتوزيع الحصص  والمصالح بين مثقفي الأحزاب وتابعيهم، الذين وجدوا أنفسهم في لحظة زمنية خارج التاريخ، لكنهم وهو يلفظون أنفاسهم الأخيرة يتشبثون بالحياة، وبأذيال سالم حميش، لأنهم يعتقدون بذلك أنهم قد يعودون إلى الحياة باغتياله.
قلت لو طالبوا بإلغاء وزارة الثقافة لكانوا أبناء عصرهم وصادقين في ما يفعلونه، لأن تقليد هذه الوزارة غير موجود في كل دول العالم، ودولة عظمى مثل الولايات المتحدة لا تتوفر على وزارة تحمل هذا الاسم، ومع ذلك لها إبداعها وفنها الذي يلهث العالم كله خلفه.

وحتى لو كانت وزارة الثقافة واقعا في المغرب، فليس دورها أبدا أن توزع الأموال على المبدعين والفنانين ذات اليمين وذات الشمال، ولا أن تطبع الكتب، لأن هذا التقليد مرتبط بدول كانت تتحكم في الثقافة وتوجهها وتحارب كل من غرد خارج السرب، ولم يعد مقبولا في الوقت الحالي.
هناك الآن في العالم كله طرق عديدة لدعم الفن وتشجيعه بعيدا عن الدولة، كمؤسسات الرعاية وشركات الإنتاج والمجهودات الخاصة، أما التشبث بإكراميات وزارة الثقافة، فهو تعبير عن نزعة محافظة واتكالية وكسولة تعول على الصدقة وعلى المسكنة، التي لا تليق بأي مبدع حر يدعي أنه مع الخلق والاستقلالية والحرية بعيدا عن أي وصاية.

هذا ليس هذا دفاعا عن وزير الثقافة، الذي ارتكب خطأ لا يغتفر حين عير المثقفين الذي قاطعوه ووصفهم ب”البلداء”، وقد يكون سالم حميش في المكان غير المناسب، وقد يعتبره كثيرون أنه ليس أهلا لهذا المنصب الذي سعى إليه سعيا، وحين تحقق حلمه، اكتشف أن  مكانه الطبيعي هو الإبداع، بعيدا عن صراعات دخلها دون سند وبغرور يليق بمبدع وليس برجل سياسة من واجبه أن يهادن ويرشي ويكذب وينافق  ويعقد الصفقات ويرضي الغاضبين كي يتبعوه ويصفقوا له ويرفعوه على الأكتاف بدل المطالبة برحيله في تقليد رديء لشعار على الموضة.