كود الرباط//
الأسبوع الماضي كان حدث بارز فالبرلمان بمجلسيه، لي هو التصويت على مشروع التنظيمي للإضراب، وللي عرف بوليميك وصداع كبير بسبب موقف النقابات من المشروع، لكن الغريب هو انسحاب نقابة في آخر مراحل التصويت بمجلس المستشارين، وهي نقابة الاتحاد المغربي للشغل.
هاد الانسحاب لي كان مفاجئ، لأنه صدر من نقابة الميلودي مخاريق، القريب من الحكومة وللي كان كيأيدها بزاف منذ انطلاقتها، لكن كولشي تقلب. هنا ماشي مشكل السياسة هي هادي، ولكن الخطير هو الانسحاب من جلسة التصويت، بعد مسار من الحضور في اللجان والاجتماعات مع الحكومة. انسحاب مامفوهمش من نقابة عريقة فيها أحزاب محترمة وتقدمية بحال التقدم والاشتراكية.
هاد الانسحاب، وفق الخبير في الشأن البرلماني عبد اللطيف برحو، تسبّب في جدل دستوري وسياسي غير مسبوق، خاصة وأن عملية انسحاب فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين من جلسة التصويت لا يعد الأول من نوعه، بل سبقته انسحابات أخرى لبعض مكونات المعارضة بمجلس النواب من جلسات تصويت على قوانين أخرى خلال السنتين الأخيرتين.
وأوضح برحو: “وهنا يطرح تساؤل جدي حول أسباب بروز هذه الظاهرة، وحول مآلات أو تأثيراتها على صورة ومكانة المؤسسة التشريعية نفسها وعلاقتها بباقي السلط والمؤسسات الدستورية، وليس فقط على العلاقة بين الفرق البرلمانية أو بين الأغلبية والمعارضة”.
الخبير في الشأن البرلماني برحو، قال في مقال توصلت به “گود”، بأن تعدد الانسحابات من جلسات التصويت على مشاريع القوانين سيؤدي لبروز ظاهرة جديدة على مستوى العمل البرلماني، وأصبحت هذه الظاهرة دخيلة على التجربة البرلمانية المغربية التي يتباهى بها المغرب بشكل خاص منذ دستور 2011، وأصبحت تهدد قواعد العمل السياسي والمؤسساتي في أسسه وقواعده المحددة دستوريا وفي النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان”.
وتابع: “وبغض النظر عن مضمون وأهمية القوانين التنظيمية أو العادية موضوع النقاش، فإن الخروج عن قواعد العمل البرلماني يزيد من مخاطر تكرارها بشكل غير مسبوق وتسببها في تعطيل العمل البرلماني نفسه، أو على الأقل حرمان أعضاء الفرق المعنية من ممارسة مهامها ووظائفها الدستورية، والتي تعتبر حقا وواجبا دستوريا في نفس الوقت”.
وشدد برحو على أنه “عندما يتعلق الأمر بصراع حزبي وسياسي خارج المؤسسات المنتخبة يكون الاحتجاج والانسحاب ومقاطعة الجلسات، أو حتى الإضراب نفسه، أمرا عاديا ويندرج في إطار قواعد الاشتغال الديمقراطي. أما داخل المؤسسات الدستورية فقواعد الاشتغال وممارسة المهام والوظائف تتحول إلى واجبات دستورية وليس فقط حقوق، وتكون محددة بشكل حصري ودقيق بأحكام الدستور ومقتضيات أنظمتها الداخلية”.
وحسب المصدر نفسه، فالاختيار الديمقراطي كمبدأ دستوري هو حق وواجب في نفس الوقت، ويستند على ممارسة السلطة التشريعية من قبل أعضاء مجلسي البرلمان بما يتوافق مع القواعد الدستورية والقانونية المؤطِّرة لهذا المجال، وهو ما تم المساس به بشكل واضح في واقعة الانسحاب من جلسات التصويت على القوانين.
وتابع: “وإذا كانت المواقف السياسية للفرق البرلمانية ذات مجال أوسع فيما يتعلق بالمواضيع التي تهمها، فإن ممارستها لمهامها ضمن المسطرة التشريعية المحددة دستوريا يجب أن تكون متوافقة مع أحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي، خاصة عند تقديم التعديلات والتصويت عليها ثم التصويت على مشاريع أو مقترحات القوانين برمتها”.
وشدد برحو بالقول: “وعند استحضار هذه المعطيات نرى أن ممارسة السلطة التشريعية من قبل ممثلي الأمة/أعضاء مجلس المستشارين (الفصل الثاني من الدستور) يجب أن تحترم المبادئ الدستورية المحددة بموجب الفصل 70 وما بعده، ووفق مقتضيات النظام الداخلي”.
وزاد المصدر نفسه وضح المسألة: “ولا نجد في المسطرة التشريعية لمجلس المستشارين ما يتعلق بالاحتجاج أو الانسحاب أو مقاطعة جلسات التصويت، إلا إذا كانت هذه المواقف رد فعل على خرق الدستور أو النظام الداخلي، وهو ما لم يتم في حالة موضوع هذا النقاش. فقد تبين بوضوح أن مشروع القانون التنظيمي المذكور قد مر بالمسطرة التشريعية بشكل عادي، وقدمت الفرق تعديلاتها عليه في اللجان الدائمة وفي الجلسات العامة، لذا فإن التعبير عن مواقف الفرق البرلمانية يتم وجوبا عبر التصويت، وهو الآلية الدستورية الوحيدة المتاحة هنا (باعتبارها أساس ممارسة السلطة التشريعية المحددة مهامها في الفصل 70 من الدستور)، وهذا التصويت يعتبر بدوره حقا وواجبا دستوريا لممثلي الأمة بالبرلمان، ولا يمكن تصور تنازل أحد أعضاء المجلس عن التصويت أو رفضه أو مقاطعته، لأنه يكون بذلك قد أخل بالتزامات الدستورية الأساسية”.
وجاء في المقالة: “وإذا كانت الأغلبية البرلمانية تضمن المصادقة على مشاريع القوانين، فإن معارضتها لا يمكن أن تتم عبر الانسحاب أو مقاطعة التصويت، وإنما عبر تحمل المسؤولية الدستورية والسياسية عبر التصويت بالرفض مع تعليل وتفسير التصويت وتسجيل الموقف السياسي للتاريخ. بل إنه في هاته الحالة توجد مساحة دستورية أخرى للتعبير عن الموقف السياسي، ويتعلق الأمر بمرحلة البت في القانون التنظيمي من قبل المحكمة الدستورية، وهي فرصة مهمة جدا للمعارضة لتقديم مذكراتها للقضاء الدستوري”.
برحو على مهام واختصاصات عضو البرلمان التي تشكل حقوقا وواجبات دستورية، كما يتوفر على آليات متعددة للتعبير عن الموقف السياسي أو النقابي. والنائب أو المستشار البرلماني حين انتُخب، تحمل مسؤولية دستورية لتمثيل الأمة، والتصويت ليس حقاً شخصياً للبرلماني له اختيار ممارسته من عدمه، بل هو قبل ذلك واجب دستوري. وبالتالي فإن رفض ممارسته أو مقاطعة جلسة التصويت كوسيلة احتجاج على مضمون المشروع (وليس على حرمان الفرق من ممارسة مهامها كما سبق) قد يشكل إخلالاً بالمسؤولية التمثيلية وبالواجب الدستوري.
وشدد الخبير نفسه بالقول: “وهذا ما جعل واقعة الانسحاب من جلسة دستورية للتصويت على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب تعتبر مسا خطيرا بالثوابت الدستورية وبالتزامات ممثلي الأمة، على اعتبار أن تصويتهم بالرفض على هذا النص القانوني كان سيكون وقعه أكثر وضوحا وأكثر قوة من الناحية السياسية والنقابيّة، وسيسجل كموقف رافض للنص المذكور، في حين أن الانسحاب قد يفسر غير ذلك أو تعطى له تأويلات أخرى لم تكن مفترضة”.